. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَ فِي الْمَسْجِدِ مَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى جَوَازِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْأَصْنَافِ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ مِنْ الزَّكَاةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْهَا فَالْعَبَّاسُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ فَقَدْ تُعُقِّبَ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ الْخَرَاجِ أَوْ الْجِزْيَةِ وَهُمَا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ انْتَهَى قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ) يُرِيدُ أَنَّ الْعَبَّاسَ وَعَقِيلًا قَدْ كَانَ غَنِمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ وَهُمَا رَحِمَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَعْتِقَا، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِيمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَلَا يَظْهَرُ لِذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وِجْهَةٌ مُنَاسِبَةٌ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ تَرْجَمَ لِافْتِقَارِ الْهِبَةِ إلَى الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ قَبْضَ الْعَبَّاسِ قَامَ مَقَامَ الْقَبُولِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ سُؤَالِهِ يَقُومُ مَقَامَهُ عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَكُونَ الدَّفْعُ مِنْهُ إلَى الْعَبَّاسِ وَإِلَى غَيْرِهِ مِنْ بَابِ الْهِبَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ أَوْ الْجِزْيَةِ كَمَا عَرَفْتَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَوَلَّى قِسْمَتَهُ بَيْنَ مَصَارِفِهِ
قَوْلُهُ: (جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا) بِجِيمٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مُشَدَّدَةٌ، أَيْ: أَعْطَاهَا مَالًا يُجِدُّ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ ثَمَرَتِهِ ذَلِكَ، وَالْجَدُّ: صِرَامُ النَّخْلِ وَهَذَا الْأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ لِقَوْلِهِ: " لَوْ كُنْتِ جَدَدْتِهِ وَاحْتَرَثْتِهِ كَانَ لَكِ " وَذَلِكَ لِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَرَةِ يَكُونُ بِالْجِذَاذِ وَقَبْضَ الْإِرْثِ بِالْحَرْثِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ: اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ هُوَ غَايَةُ الْقَبُولِ قَالَ الْحَافِظُ: وَغَفَلَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَشْتَرِطُونَ الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْهَدِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute