للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض رسائل ابن نجيم أن الاجتهاد منقطع بعد المائة الرابعة (١)، ثمّ تجد ابن عابدين يصرح في موضع آخر من حواشيه على الدر أن الكمال بن الهمام صاحب الفتح من أهل الترجيح، بل من أهل الاجتهاد.

كما أنك تراهم قد صرحوا أن المفتي هو المجتهد، أما من يحفظ أقوال المجتهد، وليس بمجتهد، فهو ليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية قائلين تفريعاً على هذا: إن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي، ثم ترى أن ابن الهمام نفسه قائل هذا القول يقول في موضع آخر من كتابة (فتح القدير): "والتحقيق أن المفتي في الوقائع لا بدَّ له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس"، وقال في موضع ثالث: "والحق أن على المفتي أن ينظر في خصوص الوقائع. . . " الخ.

ثم إنك تراهم يشترطون للقاضي والمفتي شروطا لازمة لقربهما من الاجتهاد، ويرون أن الأولى أن يكونا مجتهدين، فقد جاء في (تنوير الأبصار)، وهو من أشهر متون متأخري الأحناف ما نصه: "وينبغي أن يكون القاضي موثوقاً به، في عفافه وعقله وصلاحه وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه"، قال المصنف في شرحه (منح الغفار) عند قوله: "الاجتهاد شرط الأولية" على الصحيح، وعند الخصاف شرط لازم وقال العلائي في شرحه (الدر المختار)، معللاً كونه شرط الأولوية ما نصه: "لتعذر الاجتهاد على أنه يجوز خلو الزمن عند الأكثر -إلى أن قال- لكن في أيمان البزازية، المفتي يفتي بالديانة، والقاضي يقضي بالظاهر، دل على أن الجاهل لا يمكنه القضاء بالفتوى أيضاً، فلا يد من كون الحاكم في الدماء والفروج عالماً ديناً كالكبريت الأحمر وأين الكبريت الأحمر (٢)، وأين


(١) يرى الباجوري في حاشيته على ابن القاسم الغزي: ١/ ١٩: أن الاجتهاد انقطع نحو الثلاثمائة.
(٢) الكبريت الأحمر: معدن عزيز الوجود، ومراد صاحب البزازية أن الاجتهاد ضروري للقاضي.

<<  <   >  >>