[ثالثا: إيجاب التقليد أدى إلى هجران الكتاب والسنة]
رأينا كيف منع صاحب (مراقي السعود) غير المجتهدين من العمل بمعنى النص، وجعل التفقه بالكتاب والسنة حكرا على المجتهدين، وقد أدى هذا إلى هجران الكتاب والسنة كليا، والاستغناء عنهما في جميع الأحكام؛ لأن المجتهدين معدومون بعد القرن الرابع كما يزعم المقلدون.
فهاهنا مقدمتان كما يقول الشيخ الشنقيطي:
الأولى: أن العمل بالكتاب والسنة لا يجوز إلا للمجتهدين.
الثانية: أن المجتهدين بعد القرن الرابع معدومون انعداما كليا.
وقد نتج عن هاتين المقدمتين: أن العمل بالكتاب والسنة ممنوع منعا باتًّا على جميع الناس، وليس للمسلمين إلا الاستغناء بالمذاهب المدونة.
لقد أوجب الله على أهل العلم، إذا نزلت بهم نازلة، أن يتجهوا إلى الكتاب والسنة، والمقلدون إذا نزلت بهم نازلة، زعموا أن الواجب عليهم هو الاتجاه إلى قول إمامهم.
[رابعا: الزعم بأن العمل بالكتاب والسنة وقف على المجتهدين دون غيرهم زعم باطل]
كل من علم شيئا من الكتاب والسنة لا بدَّ له من العمل به والأخذ به، ولا يجوز أن يدعه لقول أحد، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
١ - النصوص من الكتاب والسنة الآمرة بذلك أمراً عاماً مطلقا غير خاص بفريق من الناس دون غيرهم، وتخصيص هذه النصوص بالمجتهدين الجامعين لشروط الاجتهاد المعروفة عند متأخري الأصوليين يحتاج إلى دليل يجب الرجوع إليه.