للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقريرات، تزيد في طين التشويش بلة، وفي عود الصلابة صعوبة على أذهان الطالبين؟ ثم بعد هذا وذلك يدعي أغلبهم -إن لم نقل جميعهم- العجز عن فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاستنباط منهما، ولو حكماً واحداً، بحجة أنهم عوام غير قادرين على الاستنباط والاستدلال.

على حين أن الكتاب والسنة نيران لكون لغتهما عربية فصيحة خالية من التعقيد والإبهام، وتنزه الرب عن مخاطبة عباده بما لا يُفهم -ولله الحجة البالغة- وحاشا رسوله أن يبلغ أمته عن ربه بما يتعاصى فهمه.

والله سبحانه وتعالى خاطب الجميع في كتابه المنزل بلسان عربي مبين، ولم يخصه بالصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين الأولين؛ لأن جميع المسلمين مكلفون بالخطاب منذ البعثة إلى يوم يبعثون.

مع أنهم يناقضون أنفسهم باستدلالهم على وجوب التقليد بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ (٤٣)} الآية (١).

ونرى الكثير منهم يفسرون كتاب الله تعالى، ويخوضون عباب العلوم المتعلقة بتفسيره، ويشرحون كتب السنة، ويبذل بعضهم قصارى الجهد في تأويل النصوص، ليوقفها على أقوال إمامه وأتباعه.

وكلما ذكَّرهم مذكر يجيبونه بنحو قولهم: نحن عوام، لا قدرة لنا على الاستدلال والاستنباط، ولسنا من أهل الاجتهاد، ولا تسوغ لنا الجرأة على فتح باب أقفل منذ عصور، ولنا أسوة بمن سلف من العلماء الأعلام، الذين أحرزوا قصب السبق في مضمار العلم والتحقيق، وحلبة الورع والتقوى، واجتازونا بمراحل لا يمكننا أن نبلغ شأوها، ولم يَدَّع أحد منهم هذه الدعوى، فليسعنا ما يسعهم.

فيا عجبا، هل تقبل منهم هذه المعذرة عند الله تعالى، وهم على ما هم عليه من قوة الفهم لعبارات الكتب الغامضة، وحل رموزها، وكثرة التوسع


(١) سورة النحل: ٤٣.

<<  <   >  >>