للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول أبو عمرو ابن الصلاح في مقلد المذهب: "نص مذهب إمامه في حقه كنص الشارع في حق المجتهد المستقل" (١).

وقال الشعراني: "قال بعض المقلدين: لو وجدت حديثا في البخاري ومسلم لم يأخذ به إمامي لا أعمل به، وذلك جهل منه بالشريعة، وأوّل من يتبرأ منه إمام مذهبه، وكان الواجب عليه حمل كلام إمامه على أنه لم يظفر بذلك الحديث أو لم يصح عنده" (٢).

وجاوز الشيخ أحمد الصاوي حده وغلا غلوا عظيما حيث يقول: "ولا يجوز تقليد ما عدا الأربعة، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك للكفر؛ لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر" (٣).

انظر إلى هذا الغلو المشابه لغلو اليهود والنصاري في أحبارهم ورهبانهم، حيث حرّم تقليد غير الأئمة الأربعة، ولو كان المقلد أبا بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، أو غيرهم من الصحابة الكرام، وزاد الطين بلّة بوجوب تقليدهم، ولو كان غيرهم معه نص حديث صحيح أو آية قرآنية، ولم يكتف بذلك، بل صرح بأن الخارج عن مذاهب الأربعة ضال مضل، وأنه قريب من الكفر. وبلغ غاية الإسفاف عندما زعم أن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، وقد ردد هذا القول في غير موضع من حاشيته، وكيف يكون ظاهرهما من أصول الكفر، وأغلب الآيات والأحاديث ظواهر، وما أخذ الأئمة اجتهاداتهم إلا من هذه الظواهر، إن المسلم لا يملك إذ يقرأ هذه الأقوال الشنيعة إلا أن يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


(١) المجموع للنووي: ١/ ٤٥.
(٢) الميزان: ١/ ١٠.
(٣) حاشية على الشرح لأحمد الصاوي، انظر كلامه على قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣)} [الكهف: ٢٣].

<<  <   >  >>