أي: وهو أعز على الله وأكرم من تأتيه سكرات الموت مرتين.
قوله:«قوموا فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون: فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب».
فيه حث لهم على الاقتناع بأنه -صلى الله عليه وسلم- بشر كغيره من الناس، وإن كان كما تظنون أنه ذهب إلى ربه فليس صعبا على الله -عز وجل- أن يزيح عنه التراب، ويخرجه من قبره، ولكن لن يحدث هذا، لأن ما تظنون غير صحيح. قوله: «إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا، فأحل الحلال وحرم الحرام ونكح وطلق، وحارب وسالم، ما كان راعي غنم يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاه، بمخبطه، ويمدر، حوضها بيده بأنصب (١)، ولا أدأب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان فيكم، أي قوم فادفنوا صاحبكم».
هذا رد على عمر -رضي الله عنه- حين قال:" والله لا يموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم " ويفهم منه أن مهمته -صلى الله عليه وسلم- لم تنته بعد فبين ذلك العباس -رضي الله عنه- أحسن بيان وأنه -صلى الله عليه وسلم- بلغ الرسالة أكمل بلاغ، وترك الأمة على بيضاء ليلها كنهارها، لا يخرج عنها إلا هالك، لأنه بين الحلال والحرام، فلم يبق لأحد عذر، ثم أشار إلى بشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال:«ونكح وطلق، وحارب وسالم» كغيره من البشر -صلى الله عليه وسلم- نكح النساء، وطلق من شاء منهن، وحارب المشركين، فانتصر كما في بدر، وهزم كما في أحد، فجرى عليه من ما
(١) أي بأكثر تعبا، نصب الرجل: تعب. انظر (الصحاح ٢/ ٥٧١).