أَوْ نَبَتَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، أَوْ ثَدْيٌ، أَوْ حَصَلَ مَنِيٌّ أَوْ حَيْضٌ، فَلَا إشْكَالَ (ش)
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ وَيُفْهَمُ غَيْرُهُ بِأَنْ وُجِدَ السَّبْقُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فِي حُصُولِ الِاتِّضَاحِ لَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ أَسْبَقَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَكْثَرَ وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى بَالَ فَإِنْ قُلْت قَوْلُك وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى بَالَ يَقْتَضِي صِحَّةَ عَطْفِهِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّ إنْ لَا تَدْخُلُ عَلَى أَسْبَقَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا
قُلْت يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ٣٥] فَلَا شَكَّ أَنَّ زَوْجَك مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي اُسْكُنْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَسَلُّطُ اُسْكُنْ عَلَى زَوْجِك وَقَوْلُهُ أَوْ نَبَتَتْ لَهُ لِحْيَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى بَالَ فَظَهَرَ أَنَّ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ تَشْتِيتًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَسْبَقَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَكْثَرَ وَقَوْلُهُ أَوْ نَبَتَتْ مَعْطُوفٌ عَلَى بَالَ (قَوْلُهُ لِحْيَةٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عَظِيمَةٌ كَلِحْيَةِ الرِّجَالِ وَقَوْلُهُ أَوْ ثَدْيٌ أَيْ كَثَدْيِ النِّسَاءِ وَهَلْ اسْتِعْمَالُ نَبَتَ فِي اللِّحْيَةِ وَالثَّدْيِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ لَمْ أَرَ فِي الْأَسَاسِ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ شَيْئًا فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الثَّدْيِ مَجَازٌ أَمَّا نَبْتُ الزَّرْعِ فَحَقِيقَةٌ قَطْعًا وَأَمَّا نَبَتَ زَيْدٌ نَبَاتًا حَسَنًا فَمَجَازُ قَطْعًا وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَإِنْ كَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ نَبَتَ نَبْتًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَالِاسْمُ النَّبَاتُ فَإِنْ خُصَّ النَّبَاتُ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَإِنَّ الشَّعْرَ لَا يُقَالُ لَهُ نَبَاتٌ فَرُبَّمَا أَفَادَ أَنَّ نَبَتَ فِي الشَّعْرِ مَجَازٌ وَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الثَّدْيَ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ أَيْضًا وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ هُوَ الثَّدْيُ وَهِيَ الثَّدْيُ وَالْجَمْعُ أَثْدٍ وَثُدِيٌّ وَأَصْلُهُ أَفْعُلٌ وَفُعُولٌ مِثْلُ أَفْلُسٌ وَفُلُوسٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ الثَّدْيُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَتُكْسَرُ (قَوْلُهُ أَوْ حَصَلَ مَنِيٌّ) لَمْ يُعْطَفُ عَلَى لِحْيَةٍ بَلْ قُدِّرَ لَهُ عَامِلٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسَلُّطِ الْعَامِلِ الَّذِي هُوَ نَبَتَ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (أَقُولُ) يَصِحُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ.
(قَوْلُهُ فَلَا إشْكَالَ) جَوَابٌ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ بَالَ الَّذِي هُوَ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ وَحُذِفَ مِمَّا عَدَاهُ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْأَخِيرِ وَحُذِفَ مِمَّا عَدَاهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ رَاجِعٌ لِأَحَدِ الْمُتَوَسِّطَاتِ وَحُذِفَ مِمَّا عَدَاهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْمَسْمُوعَ أَنَّ لَامَ فَلَا إشْكَالَ مَفْتُوحَةٌ فَهِيَ نَافِيَةٌ لِلْجِنْسِ فَتُفِيدُ نَفْيَ أَفْرَادِ الْأَشْكَالِ كُلِّهَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ أَيْ: فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ الْخُنْثَى بَلْ إمَّا ذَكَرٌ مُحَقَّقٌ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعَلَامَةُ عَلَامَتَهُ أَوْ أُنْثَى مُحَقَّقَةٌ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعَلَامَةُ عَلَامَتَهَا ثُمَّ إنَّ بَعْضَ شُيُوخِنَا ذَكَرَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَرَاعَةِ الْمَقْطَعِ وَهِيَ تَفَوُّقُ الْخَتْمِ كَمَا أَنَّ بَرَاعَةَ الِاسْتِهْلَالِ تَفَوُّقُ الِابْتِدَاءِ وَبَرَاعَةُ الْمَطْلَبِ تَفَوُّقُ الطَّلَبِ كَمَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ إلَى قَوْلِنَا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] وَالْبَرَاعَةُ الرَّابِعَةُ بَرَاعَةُ الِابْتِدَاءِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا الشُّعُورُ بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ اهـ.
أَيْ: كَالِابْتِدَاءِ بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ جَعَلَهُ مِنْ التَّوْرِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّوْرِيَةَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ الَّذِي لَهُ مَعْنَيَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ وَيُرَادُ الْبَعِيدُ بِقَرِينَةٍ خَفِيَّةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ هُنَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كِتَابِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ لَفْظٌ فَلَا إشْكَالَ لَا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَلَا عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ الْخُنْثَى فَهُوَ خُنْثَى غَيْرُ مُشْكِلٍ وَجَعَلَ لَفْظَ فَلَا إشْكَالَ قَرِيبًا فِي الْمَعَانِي بَعِيدًا فِي الْخُنْثَى وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنْ بَالَ الَّذِي ضَمِيرُهُ عَائِدٌ عَلَى الْخُنْثَى قَرِينَةٌ خَفِيَّةٌ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ تَوْرِيَةً بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ، وَكَذَا جَعْلُهُ تَوْجِيهًا
كَخَاطَ لِي عَمْرٌو قَبَاءً ... لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءٌ
بِجَعْلِ فَلَا إشْكَالَ مُحْتَمِلًا لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَيْ: لَا إشْكَالَ فِي الْخُنْثَى أَوْ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الشَّرْطِ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ بَلْ يُقَالُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَعَارُضَ الْبَوْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ بَالَ إذَا أُخِذَ مَعَ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُ يَحْصُلُ صُوَرٌ أَرْبَعُ، وَكَذَا إذَا أُخِذَ قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مَعَ مَا بَعْدَهُ يَحْصُلُ خَمْسُ صُوَرٍ وَإِذَا أُخِذَ أَسْبَقُ مَعَ مَا بَعْدَهُ حَصَلَ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَإِذَا أُخِذَ نَبَاتُ اللِّحْيَةِ مَعَ مَا بَعْدَهُ حَصَلَ ثَلَاثُ صُوَرٍ وَإِذَا أَخَذْت الثَّدْيَ مَعَ الْمَنِيِّ أَيْ: مِنْ الذَّكَرِ حَصَلَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا إذَا أُخِذَ الثَّدْيُ مَعَ الْحَيْضِ فَلَا تَعَارُضَ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَامَةُ الْأُنْثَى فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سَبْعَ عَشَرَةَ صُورَةً فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ فَالْإِشْكَالُ مَعَهَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَكْثَرِيَّةُ مَعَ الْأَسْبَقِيَّةِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ تُرَجَّحُ الْأَسْبَقِيَّةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ تُرَجَّحُ الْأَكْثَرِيَّةُ أَقُولُ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الْأَسْبَقِيَّةِ ثُمَّ إنَّ عج جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ حَمَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ بِتَرْجِيحِ الْأَسْبَقِيَّةِ عَلَى الْأَكْثَرِيَّةِ أَيْ قَدْرًا لَا مَرَّاتٍ وَيُحْمَلُ كَلَامُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ الْأَكْثَرِيَّةَ تُرَجَّحُ عَلَى الْأَسْبَقِيَّةِ أَيْ تَكْرَارًا وَعَدَدًا مَعَ أَنَّ عج لَا يَقُولُ بِأَنَّ الْأَكْثَرِيَّةَ قَدْرًا عَلَامَةٌ عَلَى شَيْءٍ تَابِعًا لِلشَّعْبِيِّ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ
وَأَمَّا تَعَارُضُ الْأَكْثَرِيَّةِ مَعَ النَّبَاتِ وَمَا بَعْدَهُ، فَيُقَدَّمُ النَّبَاتُ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَهِيَ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَكَذَا إذَا تَعَارَضَ الْأَسْبَقِيَّةُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ فَتُرَجَّحُ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهَا وَهِيَ صُوَرٌ أَرْبَعُ فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَمَّا تَعَارُضُ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ مَعَ الثَّدْيِ بِأَنْ نَبَتَا مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا تَرَجُّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَوْ تَعَارَضَ نَبَاتُ اللِّحْيَةِ مَعَ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ الْحَيْضِ فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ عج فِي تَعَارُضِهِ مَعَ الْحَيْضِ أَيْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي تَعَارُضِهِ مَعَ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَدَّمَ الْحَيْضُ وَالْمَنِيُّ مِنْ الْفَرْجِ عَلَى نَبَاتِ اللِّحْيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا حَلْقُ لِحْيَتِهَا وَأَطْلَقُوا وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ يَتَأَتَّى إلَّا أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّ اللِّحْيَةَ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تُقْطَعُ فِي امْرَأَةٍ قَطُّ وَمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ إلَّا فِي اللِّحْيَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يَفْرِضُونَ الْمُحَالَ وَأَمَّا تَعَارُضُ الثَّدْيِ أَيْ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْأُنُوثَةِ بِأَنْ كَانَ كَبِيرًا مَعَ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَهَلْ يُقَالُ الْمَنِيُّ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الذُّكُورَةِ مِنْ دَلَالَةِ الثَّدْيِ الْكَبِيرِ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَعَارُضٌ بَيْنَ الثَّدْيِ وَالْحَيْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute