كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكْرِي أَوْ لِلْمُكْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَانْظُرْ مَا قَدْرُ أَجَلِ الْخِيَارِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ هَلْ يُحَدُّ بِزَمَانٍ أَوْ هُوَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ مَضْمُونٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَضْمُونُ، وَالْمُعَيَّنُ سَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ النَّقْدُ فِي الْكِرَاءِ بِالْخِيَارِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَجَازَ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ تَطَوُّعًا لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي النَّقْدِ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ، وَهَذَا إنَّمَا يُؤَثِّرُ مَعَ الشَّرْطِ، وَأَمَّا فِي الْكِرَاءِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ الْخِيَارُ فَاللَّازِمُ فِيهِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ أَيْ فِي مُؤَخَّرٍ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي النَّقْدِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا فَتَأَمَّلْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يُعَجَّلُ مِنْ النَّقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ سَلَفٌ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ ثَمَنًا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَانْبِرَامِ الْبَيْعِ فَفِي نَقْضِهِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْبَيْعِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِيهَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ بِأَنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ فِي السَّلَمِ لِمَا يُؤَخَّرُ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلَا يُنْظَرُ لِجِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(ص) وَاسْتَبَدَّ بَائِعٌ أَوْ مُشْتَرٍ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً أَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ كَزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ أَرَادَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُبْرِمَ الْبَيْعَ دُونَ مَشُورَةِ زَيْدٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِذَلِكَ، وَلَا يَفْتَقِرُ انْبِرَامُ الْبَيْعِ إلَى مَشُورَتِهِ قَوْلُهُ عَلَى مَشُورَةٍ أَيْ الْمَشُورَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَمَّا الْمَشُورَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِأَنْ بَاعَ عَلَى مَشُورَةِ فُلَانٍ بِأَنَّهُ إنْ أَمْضَى الْبَيْعَ مَضَى بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَلَا فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَادُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ الْبَيْعِ عَلَى اخْتِيَارِ فُلَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَشُورَةُ مُطْلَقَةً، وَقَوْلُهُ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ أَيْ، وَالثَّمَنُ، وَالْمُثْمَنُ مَعْلُومَانِ، وَمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَعَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ أَوْ رِضَاهُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثْمَنِ فَلَا مُنَافَاةَ (ص) لَا خِيَارُهُ وَرِضَاهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً أَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى خِيَارِ فُلَانٍ أَوْ عَلَى رِضَاهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبْرِمَ الْبَيْعَ، وَيَسْتَقِلَّ بِهِ دُونَ خِيَارِ فُلَانٍ أَوْ دُونَ رِضَاهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا فُلَانٍ أَوْ خِيَارِهِ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَشُورَةِ أَنَّ مُشْتَرِطَ الْمَشُورَةِ اشْتَرَطَ مَا يُقَوِّي بِهِ نَظَرَهُ، وَمُشْتَرِطَ الْخِيَارِ أَوْ الرِّضَا لِغَيْرِهِ مُعْرِضٌ عَنْ نَظَرِ نَفْسِهِ (ص) وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى نَفْيِهِ فِي مُشْتَرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ وَابْنَ لُبَابَةَ تَأَوَّلَا الْمُدَوَّنَةَ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِبْدَادِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي خَاصَّةً فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا لِلْغَيْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِانْبِرَامِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ دُونَ مَنْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ أَوْ الرِّضَا، وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلَهُ ذَلِكَ أَيْ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِذَلِكَ لِقُوَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ (ص) وَعَلَى نَفْيِهِ فِي الْخِيَارِ فَقَطْ (ش) أَيْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً أَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى خِيَارِ فُلَانٍ أَوْ عَلَى رِضَاهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبْرِمَ الْبَيْعَ أَوْ يَرُدَّهُ دُونَ خِيَارِ فُلَانٍ أَوْ دُونَ رِضَاهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْخِيَارِ فَقَطْ، وَأَمَّا الرِّضَا فَلِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَقِلَّ بِانْبِرَامِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا مَنْ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخِيَارِ وَالرِّضَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْخِيَارُ قَدْ يَحْصُلُ، وَلَوْ بِقَوْلِهِ اخْتَرْت كَذَا بِخِلَافِ الرِّضَا فَإِنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُعْلَمُ، وَقَدْ يُخْبِرُ بِخِلَافِ مَا عِنْدَهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ (ص) وَعَلَى أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِيهِمَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الَّذِي اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَخِيَارَهُ كَالْوَكِيلِ فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا، وَإِلَيْهِمَا يَعُودُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ، وَإِذَا كَانَ كَالْوَكِيلِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي الِاسْتِبْدَادُ مَا لَمْ يَسْبِقْ الْوَكِيلُ بِالْإِجَازَةِ أَوْ الرَّدِّ لِلْبَيْعِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَإِنْ بِعْت، وَبَاعَ فَالْأَوَّلُ إلَّا بِقَبْضٍ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى رَافِعِ الْخِيَارِ مِنْ الْفِعْلِ بِقَوْلِهِ (ص) وَرِضَا مُشْتَرٍ كَاتَبَ أَوْ زَوَّجَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا تَمَّ بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ إلَخْ (قَوْلُهُ هَلْ يُحَدُّ بِزَمَانٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَفِي شَرْحِ شب فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ الْكِرَاءَ بِكَوْنِهِ مَضْمُونًا لَكَانَ أَوْلَى لِيَجْرِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَنَافِعُ عَيْنٍ اهـ. أَيْ فَالضَّعِيفُ يُفَرَّقُ وَيَقُولُ الْمُعَيَّنُ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ لِتَعَيُّنِ مَا تُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ وَالذِّمَّةُ لَا تَقْبَلُ الْمُعَيَّنَ.
(تَنْبِيهٌ) : زَادَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ إذَا وَقَعَتْ مَعَ خِيَارٍ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْهُ) أَيْ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدُهُ صَحِيحًا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعُونَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ إلَخْ أَيْ وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي مُؤَخَّرٍ يُؤَثِّرُ مُطْلَقًا ثُمَّ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ لِمَ كَانَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا مَعَ الشَّرْطِ بِخِلَافِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ يُؤَثِّرُ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ وَاسْتَبَدَّ بَائِعٌ أَوْ مُشْتَرٍ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ) لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُشَاوَرَةِ الْمُوَافَقَةُ لِخَبَرِ «شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ» ، وَهَذَا حَيْثُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَشُورَتِهِ لِقُرْبِ مَكَانِهِ، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ لَا لِمَنْعِ الْجَمْعِ إذْ لَوْ حَصَلَ الْبَيْعُ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ، وَالشِّرَاءُ مِنْ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ وَاتَّحَدَ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشُورَتِهِ فِيهِمَا أَوْ تَعَدَّدَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَبِدُّ (قَوْلُهُ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ) أَيْ إلَى آخِرِهِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَمَا مَرَّ إلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا خِيَارُهُ أَوْ رِضَاهُ (قَوْلُهُ فِي الثَّمَنِ) أَيْ إنَّ الرِّضَا فِي الثَّمَنِ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَعْلُومًا (قَوْلُهُ لَا خِيَارِهِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَخْ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَى أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا بِرَدٍّ أَوْ إمْضَاءٍ اُعْتُبِرَ فِعْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْضَمَّ لِفِعْلِ الثَّانِي قَبْضٌ عَلَى مَا يُفِيدُهُ التَّشْبِيهُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنْ بِعْت وَبَاعَ فَالْأَوَّلُ إلَّا بِقَبْضٍ، وَظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ، وَجَمْعٍ خِلَافُهُ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَوَّلِ مُطْلَقًا، وَهَذَا إذَا وُجِدَ سَبْقٌ وَعِلْمٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ سَبْقٌ بِأَنْ اتَّحَدَ الزَّمَنُ أَوْ وُجِدَ سَبْقٌ وَجَهْلٌ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بِعْت) أَيْ: يَا مُوَكِّلُ. وَقَوْلُهُ وَبَاعَ أَيْ الْوَكِيلُ.
(قَوْلُهُ وَرَضِيَ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute