فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: " اللهم اشهد. اللهم اشهد "،
ــ
تجبيون؟ ودل على هذا المحذوف الفاء في قوله (فما أنتم قائلون؟) أي إذا كان الأمر على هذا فبأي شيء تجيبون؟ (قالوا: نشهد أنك قد بلغت) أي رسالات ربك (وأديت) أي الأمانة (ونصحت) أي الأمة (فقال بإصبعه) أي أشار بها (السبابة) بالجر (يرفعها إلى السماء) حال من فاعل ((قال)) أي رافعًا إياها أو من السبابة أي مرفوعة (وينكتها إلى الناس) بفتح التحية وسكون النون وضم الكاف بعدها فوقية، كذا في نسخ المشكاة والمصابيح بالتاء الفوقانية، وهكذا في مسلم الطبعات المصرية والهندية، من نكت الأرض بالقضيب إذا ضرب الأرض بالقضيب فيؤثر فيها، وهذا بعيد من معني الحديث. وقيل مجاز من الإشارة بقرينة إلى، وفي المرقاة ((وينكتها إلى الناس)) أي يشير بها إليهم كالذي يضرب بها الأرض، والنكت ضرب رأس الأنامل إلى الأرض. وفي البارع ((قال الأصمعي: ضربه فنكته بالفوقية أي ألقاه على رأسه فوقع متنكتًا)) وذكره الفارابي في باب قتل فيحتمل أن يكون الحديث من هذا، والمعني: ينكسها - انتهى. وقال عياض: كذا (أي بالفوقية) الرواية في مسلم وهو بعيد المعني. قيل: صوابه ((ينكبها)) بموحدة، وكذا رويناه عن شيخنا أبي الوليد هشام بن أحمد في مسلم ومن طريق ابن الأعرابي عن أبي داود في سننه بموحدة، ومن طريق أبي بكر التمار عنه بفوقية، ومعناه يرددها ويقلبها إلى الناس مشيرًا لهم، وهو من نكب كنانته إذا قلبها. وقال القرطبي: روايتي في هذه اللفظة وتقييدي على من أعتمده من الأئمة المقتدين بضم الياء وفتح النون وكسر الكاف مشددة وضم الباء بواحدة أي يعدلها إلى الناس، وروي ينكبها مخففة الباء والنون وضم الكاف ومعناه يقلبها، وهو قريب من الأول وروي ينكتها بفوقية وهي أبعدها – انتهى. وقال الجزري في النهاية: في حديث حجة الوداع ((وينكبها إلى الناس)) أي يميلها إليهم، يريد بذلك أن يشهد الله عليهم، يقال: نكبت الإناء نكبًا ونكبته تنكيبًا إذ أماله وكبه (اللهم اشهد) أي على عبادك بأنهم أقروا بأني قد بلغت. والمعنى ((اللهم اشهد أنت إذ كفى بك شهيدًا)) . قال الزرقاني في شرح المواهب: فإن قيل ليس في هذه الخطبة ذكر شيء من المناسك فيرد ذلك على قول الفقهاء ((يعلمهم الخطيب ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى)) أجيب بأنه - صلى الله عليه وسلم - اكتفى بفعله للمناسك عن بيانه بالقول لأنه أوضح، واعتنى بما أهمه في الخطبة التي قالها. والخطباء بعد ليست أفعالهم قدوة ولا الناس يعتنون بمشاهدتها ونقلها فاستحب لهم البيان بالقول، وفيه حجة للمالكية وغيرهم أن خطبة عرفة فردة إذ ليس فيه أنه خطب خطبتين. وما روي في بعض الطرق أنه خطب خطبتين، فضعيف كما قاله البيهقي وغيره. قلت: روى الشافعي بسنده عن جابر قال: راح النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى، ثم أذن بلال، ثم أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر. قال الشوكاني في