فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف،
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تسألون عني،
ــ
والقاضي: والمختار أن معناه: أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلاً أجنبيًا أو امرأة أو أحدًا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه، لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن، والله أعلم (فإن فعلن ذلك) أي الإيطاء المذكور بدون رضاكم بلفظ صريح أو بقرائن (ضرباً غير مبرح) بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء المشددة وبالحاء المهملة من البرح وهو المشقة، والضرب المبرح هو الضرب الشديد الشاق، ومعناه اضربوهن ضربًا ليس بشديد ولا شاق. وفيه إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب (ولهن عليكم رزقهن) أي وجوبًا، والمراد بالرزق النفقة من المأكول والمشروب، وفي معناه سكناهن (بالمعروف) أي على قدر كفايتهن من غير سرف ولا تقتير أو باعتبار حالكم فقرًا وغنىً، وفيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالكتاب والسنة والإجماع (وقد تركت فيكم ما) أي فيما بينكم وما موصولة أو موصوفة (لن تضلوا بعده) أي بعد تركي إياه فيكم أو بعد التمسك به والعمل بما فيه ويؤيد الأول قوله (إن اعتصمتم به) أي في الاعتقاد والعمل. وفي هذا التركيب إبهام وتوضيح وذلك لبيان أن هذا الشيء الذي تركه فيهم شيء جليل عظيم فيه جميع المنافع الدينية والدنيوية، ثم لما حصل من هذا التشوق التام للسامع وتوجه إلى استماع ما يرد بعده واشتاقت نفسه إلى معرفته بينه بقوله (كتاب الله) بالنصب بدل من مفعول تركت، جزم به الولي. فإن كان الرواية وإلا فيجوز رفعه بأن خبر مبتدأ محذوف، أي هو كتاب الله ولم يذكر السنة مع أن بعض الأحكام يستفاد منها لاندراجها تحته، فإن الكتاب هو المبين للكل بعضها بلا واسطة وبعضها بواسطة، قال تعالي {ونزلنا الكتاب تبيانًا لكل شيء}(١٦: ٨٩) وقال تعالي {لتبين للناس ما نزل إليهم}(١٦: ٤٤) كذا في شرح المواهب. وقال القاري: إنما اقتصر على الكتاب لأنه مشتمل على العمل بالسنة لقوله تعالي {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}(٤: ٥٩) وقوله {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(٥٩: ٧) فيلزم من العمل بالكتاب العمل بالسنة، وفيه إيماء إلى أن الأصل الأصيل هو الكتاب (وأنتم تسئلون) بصيغة المجهول. وفي رواية أبي داود والدارمي وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي ((مسئولون)) (عني) أي عن تبليغي وعدمه، قال الطيبي: قوله ((وأنتم تسئلون)) عطف على مقدر، أي قد بلغت ما أرسلت به إليكم جميعًا غير تارك لشيء مما بعثت به وأنتم تسئلون عني يوم القيامة هل بلغت؟ ... بأي شيء