للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.

ــ

وثلب أعراضكم – انتهى. وقيل المعنى: إن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم، قيل: وهذا أولى مما ذكره الحافظ، لأن ذلك إنما يحرم إذا كان بغير حق فلا بد من التصريح به، فلفظة ((انتهاك)) أولى، لأن موضوعها لتناول الشيء بغير حق (حرام عليكم) قال الزرقاني: معنى الحديث إن دماء بعضكم على بعض حرام، وأموال بعضكم على بعض حرام وإن كان ظاهر اللفظ أن دم كل واحد حرام عليه نفسه، ومال كل واحد حرام عليه نفسه فليس بمراد، لأن الخطاب للمجموع، والمعنى فيه مفهوم، ولا تبعد إرادة المعنى الثاني. أما الدم فواضح، وأما المال فمعنى تحريمه عليه تحريم تصرفه فيه على غير الوجه المأذون فيه شرعًا، قاله الولي العراقي (كحرمة يومكم هذا) أي متأكدة التحريم شديدته كحرمة يومكم هذا يعني يوم عرفة (في شهركم هذا) أي ذي الحجة (في بلدكم هذا) أي مكة، وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء لأنهم كانوا لا يرون استباحتها وانتهاك حرمتها بحال: وقال ابن المنير: قد استقر في القواعد أن الأحكام لا تتعلق إلا بأفعال المكلفين، فمعنى تحريم اليوم والبلد والشهر تحريم أفعال الاعتداء فيها على النفس والمال والعرض، فما معنى إذًا تشبيه الشيء بنفسه؟ وأجاب بأن المراد أن هذه الأفعال في غير هذا البلد وهذا الشهر وهذا اليوم مغلظة الحرمة، عظيمة عند الله، فلا يستهل المعتدي كونه تعدى في غير البلد الحرام والشهر الحرام، بل ينبغي له أن يخاف خوف من فعل ذلك في البلد الحرام، وإن كان فعل العدوان في البلد الحرام أغلظ فلا ينفي كون ذلك في غيره غليظًا أيضًا، وتفاوت ما بينهما في الغلظ لا ينفع المعتدي في غير البلد الحرام، فإن فرضناه تعدى في البلد الحرام فلا يستسهل حرمة البلد بل ينبغي أن يعتقد أن فعله أقبح الأفعال وأن عقوبته بحسب ذلك فيراعى الحالتين – انتهى. وقال الزرقاني: وفي تقديم اليوم على الشهر وهو على البلد الترقي، فالشهر أقوي من اليوم، وهو ظاهر في الشهر لاشتماله على اليوم فاحترامه أقوى من احترام جزئه، وأما زيادة حرمة البلد فلأنه محرم في جميع الشهور لا في هذا الشهر وحده، فحرمته لا تخص به فهو أقوى منه – انتهى. قال الحافظ: وفي مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع، وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد، لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء ولا يرون هتك حرمتها ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، وقال في موضع آخر: ومناط التشبيه في قوله ((كحرمة يومكم)) وما بعده ظهوره عند السامعين، لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع – انتهى. وقال الطيبي: هذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت به لأنهم عالمون بحرمة الثلاث كما في قوله تعالى {وإذ

<<  <  ج: ص:  >  >>