فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: " إن دماءكم وأموالكم
ــ
لتعارف الناس، أو لاعترافهم بذنوبهم أو لصبر الناس، والعرفة الصبر. وقيل: إن إبراهيم رأى ليلة التروية ذبح ولده فتروى يومه، وعرف في الثاني ونحر في الثالث، فسميت الأيام بذلك. وقوله ((فأجاز)) قيل هي لغة وجاز وأجاز بمعنى. وقيل جاز الموضع سلكه وسار فيه، وأجازه خلفه وقطعه. قال الأصمعي: جاز مشى فيه، وأجازه قطعه (قد ضربت) أي بنيت (فنزل بها) أي بالقبة. وهذا يدل على جواز استظلال المحرم بالخيمة ونحوها (حتى إذا زاغت) أي نزل بها واستمر فيها حتى إذا مالت الشمس وزالت عن كبد السماء من جانب الشرق إلى جانب الغرب (أمر بالقصواء) أي بإحضارها، وقد تقدم ضبطها وشرحها في أول شرح الحديث (فرحلت له) على البناء المجهول مخففًا أي شد على ظهرها الرحل ليركبها النبي - صلى الله عليه وسلم - (فأتى) أي فركبها فأتى (بطن الوادي) هو وادي عُرَنة بضم العين وفتح الراء المهملتين بعدها نون، وليست من عرفات (فخطب الناس) أي وعظهم وخطب خطبتين الأولى لتعريفهم المناسك والحث على كثرة الذكر والدعاء بعرفة، والثانية قصيرة جدًا لمجرد الدعاء، قاله القاري. وفيه دليل على أن الخطبة كانت على الراحلة، وفي معناها المواضع المرتفعة. قال الزرقاني: في الحديث أنه يستحب للإمام أن يخطب يوم عرفة في هذا الموضع، وبه قال الجمهور والمدنيون والمغاربة من المالكية وهو المشهور. فقول النووي:((خالف فيها المالكية)) . فيه نظر، إنما قول العراقيين منهم، والمشهور خلافه. واتفق الشافعية أيضًا على استحبابها خلافًا لما توهمه عياض والقرطبي – انتهى. قال النووي: ومذهب الشافعي أن في الحج أربع خطب مسنونة: إحداها يوم السابع من ذي الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية هذه التي ببطن عرنة يوم عرفات، والثالثة يوم النحر، والرابعة يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، قال أصحابنا: وكل هذه الخطب أفراد وبعد صلاة الظهر إلا التي يوم عرفات، فإنها خطبتان وقبل الصلاة. قال أصحابنا: ويعلمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى، والله أعلم – انتهى كلام النووي. وارجع لمزيد التفصيل إلى ((القرى لقاصد أم القرى)) لمحب الدين الطبري (ص ٣٣٨، ٣٣٩، ٤٩١، ٤٩٣) ، والفتح الرباني (ج ١٢: ص ١٣٣، ٢١٥، ٢١٦) ، وفتح الباري (ج ٧: ص ١٦٦) وعند الحنفية في الحج ثلاث خطب أولاها وثانيتها ما ذكره النووي، وثالثتها بمنى في اليوم الحادي عشر فيفصل بين كل خطبتين بيوم وكلها سنة. والراجح عندنا في تعيين أيام الخطبة هو ما ذهب إليه الشافعية، وسيأتي مزيد الكلام في ذلك (إن ماءكم وأموالكم) زاد في حديث ابن عباس عند أحمد والبخاري والترمذي والبيهقي وفي حديث ابن عمر عند البخاري ((وأعراضكم)) والعِرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه. قال الحافظ: هذا الكلام على حذف المضاف أي سفك دمائكم وأخذ أموالكم