غيره لكن تلبيدًا سائغًا وهو اليسير الذي لا يحصل به التغطية، فإن استصحاب التغطية الكائنة قبل الإحرام لا يجوز بخلاف الطيب، وعليه يجب أن يحمل تلبيده - صلى الله عليه وسلم - في إحرامه، وتمامه في جنايات رد المحتار. وقال القاري: ولعله كان به - صلى الله عليه وسلم - عذر، قال: ويمكن حمله على التلبيد اللغوي من جمع الشعر ولفه وعدم تخليته متفرقًا، ففي القاموس: تلبد الصوف ونحوه تداخل ولزق بعضه ببعض - انتهى. قلت: حمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على عذر يحتاج إلى دليل، والأصل عدم العذر وأما حمل التلبيد على المعنى اللغوي ففيه: أن شراح الحديث، وأهل اللغة، وأصحاب غريب الحديث: كالخطابي، والحافظ، والعيني، والمجد، والجوهري، والجزري، والزمخشري وغيرهم قد اتفقوا على ما ذكرنا من العلماء من معنى التلبيد، ولزوق بعض الصوف أو الشعر ببعضه لا يحصل إلا بما يصلح للإلزاق والإلصاق كالصمغ أو الخطمي أو العسل وما يشبه ذلك، ويؤيد ذلك ما سيأتي في الفصل الثاني من حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - لبد رأسه بالغسل. قال الحافظ: قال ابن عبد السلام يحتمل أنه بفتح المهملتين، ويحتمل أنه بكسر المعجمة وسكون المهملة، وهو ما يغسل به الرأس من خطمي أو غيره. قال الحافظ ضبطناه في روايتنا في سنن أبى داود بالمهملتين - انتهى. والظاهر أن ابن عمر ذكر ما رأى من تلبيده - صلى الله عليه وسلم - عند الإحرام وهو الذي فهمه أبو داود وغيره حيث أورد حديثه هذا في المناسك (يقول) بدل من يهل (لبيك) اختلف في لفظه وفي اشتقاقه ومعناه، أما لفظة فتثنية عند سيبويه ومن تبعه، يراد بها التكثير في العدد والعود مرة لا أنها لحقيقة التثنية بحيث لا يتناول إلا فردين وقال يونس بن حبيب البصري: هو اسم مفرد، والياء فيه كالياء في لديك وعليك وإليك، يعني في انقلاب الألف ياء لاتصالها بالضمير، ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر. وعن الفراء: هو منصوب على المصدر ولا يكون عامله إلا مضمرًا وأصله ((لبا لك)) فثني على التأكيد أي ألب إلبابًا بعد إلبابٍ. وأما معناه: فقيل: معناه أجبتك إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة، قال ابن الأنباري: ومثله حنانيك أي تحننًا بعد تحنن، وقيل: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، من ألب بالمكان كذا ولب به، إذا أقام به ولزمه، وقيل معناه: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: دارى تلب دارك وتواجهها. وقيل: معناه محبتي لك من قولهم: امرأة لبة إذا كانت محبة لزوجها، وعاطفة على ولدها، وقيل: إخلاصي لك من قولهم: حسب لبابك أي خالص محض ومن ذلك لب الطعام، ولبابه، وقيل: قربًا منك من الإلباب وهو: القرب، وقيل: معناه أنا ملب بين يديك، أي خاضع لك. حكى هذه الأقوال القاضي عياض وغيره. قال الحافظ، والعيني: والأول منها أظهر وأشهر، لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته، ولهذا من دعا فقال: لبيك فقد استجاب. وقال ابن عبد البر: قال جماعة من أهل العلم: إن معنى التلبية: إجابة دعوة إبراهيم عليه السلام حين أذن في الناس بالحج - انتهى. قال الحافظ: وهذا أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبى حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة وقتادة وغير واحد، والأسانيد إليهم قوية، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده، وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبى ذبيان عن أبيه، عنه، قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له: