للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما رجل مجنون حقا مخرف حقا وليس بشرط أن يكون الجنون بالعته والخفة والطيش أو البلاهة والبلادة؛ بل منه ما يسمى بجنون العظمة أو الغرور فيصل بنفسه درجة يجعلها معيارا للعلوم؛ فالحق ما توصل إليه وكل الناس عالة على علمه، وأحسب هذا شر أنواع الجنون.

ولست أزعم لنفسي معرفة علم النفس وخصائصه؛ ولكن والحالة هذه التي أمامنا لا أرى أن يقدم مجنون -بمعناه عندنا المشاهد في المستشفيات النفسية- على مثل هذا العمل لا زهدا فيه؛ ولكن عجزا عن التفكير فيه أو إدراكه فضلا عن دافع الإيمان حتى وهم في هذه الحالة.

وعلى كل حال فقد كان ما كان وخرج هذا التفسير ولا يقبل ذو لب أن يقول مثل قوله ولا يقبله ذو دين؛ فكان حقا اللنون اللامنهجي وإن شئت فسمه منهج المجانين، حفظ الله عقولنا وعقولكم وثبتها على المنهج القويم.

ونحمد الله سبحانه على ندرة هذا اللون من التفسير ومعذر إن أخذت وقتا وجهدا في هذا اللون؛ فلا يصح لي عذر أن اتركه وهدفي في حصر اتجاهات التفسير.

وبعد:

هذه أهم الاتجاهات الإلحادية في التفسير في القرن الرابع عشر الهجري.

وما كان لهذه التفاسير وما كان لأصحابها جرأة على نشرها أو التلفظ بها لو كان الإسلام هو الحاكم في بلاد المسلمين.

وإذًا لحسب العلماء ألف حساب وحساب قبل أن يبيعوا دينهم بدنياهم فيقولوا في القرآن الكريم ما لا يصح قوله.

وإذا لحسب المثقفون ألف حساب وحساب وكذلك قبل أن يجترئ أحد منهم على تناول آيات القرآن بالتفسير من غير أن يكون من أهل التفسير.

وإذا -مرة ثالثة- لحسبت المطابع ألف ألف حساب قبل أن تطب كتابا مليئا بالإلحاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>