التحاكم إلى الطاغوت مجردا عن التصريح بالرضا، فهذا لا يكفر صاحبه إلا إذا ثبت أنه كان له مندوحة عن هذا التحاكم، وأنه لم يكن مضطرا ولا محتاجا إليه. والحق أن من يتحاكم إلى الطاغوت في غير ضرورة شرعية، لا يمكن إلا أن يكون راضيا عن هذا الشرع الطاغوتي. فرجع الأمر الثاني – عند التحقيق -إلى الأول، وتبين أن المناط الحقيقي هو الرضا والقبول.
ودليل كفر المتحاكم إلى الطاغوت قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} الآيات، وهي صريحة في أن إرادة التحاكم إلى الطاغوت إيمان بهذا الطاغوت، وكفر بالله عز وجل.
وقال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، فبينت الآية أن متابعة الذين يشرعون من دون الله عز وجل شرك مناقض لمعنى كلمة: لا إله إلا الله.
وقال تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} ، فإذا كان هذا حال من يقعد – من غير إنكار – في مجلس يكفر فيه بآيات الله فكيف بمن يتحاكم – طائعا مختارا- إلى القوانين التي هي من أعظم المحادة لله ورسوله؟!