فتبين إذن بأن من تمسك بالثابت من الصفات في الكتاب والسنة، ولم يعدها إلى غيرها، ولا مَثَّلها بصفات المخلوقين، لا يمكن أن يكون مشبها، خلافا لما يزعمه الأشعرية ومن نحا نحوهم من المتكلمين حين ينبزون أهل السنة بأنهم حشوية ومجسمة ومشبهة، لا لشيء سوى لإثباتهم صفات العلو والاستواء والرضا والغضب والضحك والنزول وغير ذلك مما هو ثابت في الكتاب والسنة.
وهذه القاعدة مما ينبغي أن يعض عليه بالنواجذ، ويُتأمل فيه بالبصائر النوافذ.
إذا علم هذا فالتشبيه نوعان:
أولهما: تشبيه الخالق بالمخلوق في الذات أو الصفات أو هما معا. وهذا ينقله أرباب المقالات عن بعض المتقدمين مثل هشام بن الحكم الرافضي وداود الجواليقي وغيرهما. وهم ينقلون عن هؤلاء أقوالا شنيعة تقشعر منها الأبدان، وتكاد تزول لهولها الجبال!.
وثانيهما: رفع المخلوق إلى مقام الخالق، وهذا أكثر وأشنع، لذلك يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:"التشبيه نوعان: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا الذي يتعب أهل الكلام في رده وإبطاله، وأهله في الناس أقل من النوع الثاني، الذين هم أهل تشبيه المخلوق بالخالق. كعُباد المشايخ، وعزير، والشمس، والقمر، والأصنام، والملائكة، والنار والماء والعجل والقبور والجن وغير ذلك"(١) .
أقول: ومنهم الذين يتبعون المشرعين من دون الله عز وجل، ويرضون باطلهم ويستسيغون إفكهم، وهذا كثير في هذه الأزمنة.
إنكار الصفات بالتعطيل أو التأويل:
من قواعد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، تنزيه الباري جل جلاله عن كل صفات النقص والعيب، اتباعا للكتاب والسنة. فالتنزيه عند أهل السنة أصل أصيل، ومعناه عندهم: نفي ما لا يليق بالله تعالى من صفات النقص وإثبات كمال ضدها. أما النفي المحض الذي لا يتضمن إثبات كمال، فهو منهج المتكلمين وديدن المعطلة.