للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد ثبت بالاستقراء ان طريقة القرآن الإثبات المفصل والنفي المجمل، وأن طريقة المتكلمين بالعكس. أما المعطلة فقد فروا من التشبيه – بزعمهم – فوقعوا فيما هو أدهى وأمر، وهو تعطيل الصفات الثابتة، ثم هؤلاء المعطلة على دركات مختلفة: (١)

فأشدهم غلوا وهم الجهمية المحضة مثل القرامطة وأشباههم، يسلبون عن الله عز وجل النقيضين معا فرارا من تشبيهه – بزعمهم – بالموجودات في الاثبات، أو المعدومات في النفي. فقالوا: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل. وهذا - إلى جانب كونه من أعظم الكفر والضلال – مناقض لبدائه العقول. بل إنهم فروا من تشبيهه بالموجودات والمعدومات، فوقعوا فيما هو شر وهو تشبيهه بالممتنعات، لأن سلب النقيضين ممتنع.

ويتلوهم الفلاسفة وباطنية الشيعة - مثل ابن سينا – وباطنية الصوفية – كابن عربي، فيصفون الله بأنواع السلوب كقولهم: "ليس بجوهر ولا عرض ولا متحيز، الخ"، والإضافات كقولهم: "هو علة الموجودات"، ويقولون إنه الوجود المطلق بشرط الإطلاق، مع أن هذا لا يكون إلا في الذهن لا في الخارج.

وبعدهم المعتزلة ومن معهم، الذين يثبتون الأسماء مع نفي الصفات التي تتضمنها، كما سبق بيانه.

ثم الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم، وهم يثبتون بعض الصفات، ويسلطون سيف التأويل الباطل على الباقي. فهم معطلة مثبتة، على تناقض شديد في مناهجهم وأدلتهم، وخلاف كبير بين أئمتهم.

وهذه الطوائف كلها – حاشا الأخيرة منها – هي طوائف كفر وإلحاد. أما الطائفة الرابعة، فأكثر أهلها يتبعون تأويلات مستساغة في الجملة ومقبولة في لسان العرب، هذا مع عظيم غَنائهم في الإسلام وما لأكثرهم من مشاركة طيبة في الدفاع عن الشرع وعلومه. ومع هذا، فمذهبهم محدث مبتدع، وهو ذريعة قوية إلى المذاهب التعطيلية الأخرى. والله أعلم.


(١) انظر هذه المراتب في التدمرية وشرحها للشيخ فالح بن مهدي:٤٨ وما بعدها.

<<  <   >  >>