للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد أخبر الله عز وجل في الآية بأنهم كفروا بعد إيمانهم، مع زعمهم أنهم إنما كانوا يخوضون ويلعبون، فبيَّن ذلك أنهم كفروا بسبب قولهم واستهزائهم وخوضهم، لذلك فإن نفس سب الله تعالى كفر لذاته، بغض النظر عن الاعتقاد والاستحلال.

ولخص شيخ الإسلام رحمه الله هذا المعنى بقوله: " إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا، أو كان ذاهلا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل (١) .

أقول: فمن خالف في هذا الأصل واشترط الاستحلال أو الاعتقاد القلبي للتكفير بسب الله أو سب رسوله أو الاستهزاء بالدين، فقد خرج من مذهب أهل السنة إلى مذهب المرجئة، وليس ينفعه انتسابه إلى السلف الصالح رضوان الله عليهم، إذ لا يعدو هذا الانتساب أن يكون دعوى ليس له عليها بينة:

والدعاوى ما لم تقيموا عليها ... ... ... بينات أبناؤها أدعياء.

ويقول الإمام اسحاق بن راهويه رحمه الله: " قد اجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام ... أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بما أنزل الله" (٢) .

بل إن سب الله عز وجل أعظم من مجرد الشرك به. يقول ابن تيمية معلقا على قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} : "ألا ترى أن قريشا كانت تقاره عليه الصلاة والسلام على ما كان يقوله من التوحيد وعبادة الله وحده، ولا يقارونه على عيب آلهتهم، والطعن في دينهم، وذم آبائهم، وقد نهى الله المسلمين أن يسبوا الأوثان، لئلا يسب المشركون الله، مع كونهم لم يزالوا على الشرك، فعلم أن محذور سب الله أغلظ من محذور الكفر به " (٣)


(١) الصارم المسلول: ٤٥١.
(٢) الصارم المسلول: ٤.
(٣) الصارم المسلول: ٥٥٧.

<<  <   >  >>