للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله تعالى، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء؛ إلاّ أن يجاهدوا مع المسلمين.

ــ

أمّا في الاصطلاح الشرعي فالهجرة صارت تُطلق على الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد المسلمين من أجل حفظ الدين.

والهجرة من أعظم الأعمال بعد الإسلام، ولهذا صار للمهاجرين ميزة على إخوانهم من الأنصار، وصاروا يقدّمون في الذّكر لشرفهم، لأنّهم تركوا أوطانهم وديارهم وأموالهم وخرجوا، بل تركوا أولادهم وأزواجهم، وخرجوا إلى المدينة من أجل الدين ومن أجل نُصرة الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشكر الله لهم ذلك وأثنى عليهم ووعدهم بجزيل الثواب.

والهجرة باقية إلى أن تقوم السّاعة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} هؤلاء الذين تركوا الهجرة عن غير عذر فظلموا أنفسهم بذلك.

فالهجرة واجبة وباقية إلى أن تقوم السّاعة، وفي الحديث: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرُج الشمس من مغرِبها".

وأمّا قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونيّة" فالمراد به: الهجرة من مكّة، لأنّها بعد الفتح صارت دارَ إسلام، وأمّا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فهي باقية إلى قيام السّاعة.

والهجرة في هذا الحديث وهي الانتقال من دارهم إلى دار المهاجرين مستحبّة في حقّهم، إذا كانت البلاد بلاداً إسلامية فالانتقال منها إلى بلد أفضل منها مستحبّ، لأن الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا خيَّرهم، فدلّ على أن الهجرة هنا غير واجبة عليهم، وإنّما هي أفضل في حقِّهم.

"فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين" يعني: إن آثروا البقاء في بلدهم ولم ينتقلوا إلى المدينة فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، والأعراب: جمع أعرابي، وهو: ساكنُ البادية.

ولا شكّ أن سُكنى الحاضرة الإسلاميّة أفضل من سُكنى البادية الإسلامية لأنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>