عبد المطّلب- عمّ الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمّا انحبس المطر واستسقوْا، قال عمر رضي الله عنه:"اللهم إنّا كنا نتوسّل إليك بنبيّك فتسقينا" يعني: يوم أنْ كان حيًّا- عليه الصّلاة والسلام، "وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، ادع يا عبّاس".
هذا عمل الصّحابة رضي الله عنهم، ما كانوا يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل عدَلوا إلى العبّاس لأنّ العباس حيّ موجود بينهم والرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميّت، والحي يقدر على الدعاء والاستغفار، والميت لا يقدر، ومن لم يفرّق بين الحي والميت فهو ميّت القلب.
وكذلك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لَمّا استسقى، طلب من أبي يزيد الجُرَشي أن يدعوَ الله، فدعا، هذا عمل الصّحابة، وهم أفقهُ الأمة وأعلم الأمة، ما كانوا يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما كانوا إذا قدِموا من سفر يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزّيارة والسلام على الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ينصرفون، ما كانوا يأتون ويدعون عند القبر، أو يطلُبون من الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشّفاعة، أو يطلُبون منه الاستغفار بعد موته هذا لا يجوز، لأنّه من وسائل الشّرك.
وتدلّ الآية على أن المنافقين لو تابوا تاب الله عليهم، وأنّ مَن تحاكَم إلى غير شريعة الله أنه يجب عليه التّوبة، وإذا تاب تاب الله عليه.
أما المخادَعة، وأما الكلام الفارغ، وأنّنا ما أردنا بهذه الأُمور إلاّ الخير والإصلاح بين الناس، وما أردنا مخالفة الكتاب والسنّة، فهذا لا يُقبل، ولا اعتذار فيه أبداً. وتنميق الألفاظ، وتنميق الاعتذارات والحُجج المزخرفة، كل هذا لا يُقبل إلاّ مع التّوبة الصّادقة، وترْك هذا الذنب العظيم.
كثيرٌ ممّن يحكِّمون القوانين اليوم ممّن يدّعون الإسلام يعتذرون بأعذار باطلة فيقال لهم: إنْ كنتم تريدون الحق فارجعوا عمّا أنتم عليه وتوبوا إلى الله كما عرض الله التّوبة على مَن كان قبلكم. أزيلوا هذه القوانين، وهذه الطاغوتيّة إنْ كنتم صادقين وتوبوا إلى الله، والله يتوب على مَن تاب. أما الاستمرار على الذّنب مع إظهار التّوبة والاستغفار، فهذه مخادَعة لا تجوز، لأن شروط التّوبة: الإقلاع عن الذّنب، والعزم أن لا يعود إليه، والنّدم على ما فات.
ثم قال:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} هذا ردٌّ على دعواهم الإيمان، وهو ردّ مؤكّد بالقسم.