في أنفسهم، وما يبيِّتونه ممّا بيّنه الله لك، وأطلعك عليه. وقيل: معناه: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ} أي: قل لهم خالياً بهم وحدهم وأسِرَّ إليهم بالنصيحة. {قَوْلاً بَلِيغاً} يعني: كلاماً جَزْلاً فاصلاً يؤثِّر فيهم، ومعنى هذا: أنّك لا تقابلهم باللّين أو بالكلام اللّيّن أو بالملاطفة، لأنهم ليسوا أهلاً لذلك، ولكن قابلهم بالكلام البليغ الزّاجر المخوِّف المروِّع، لأنهم فعلوا فعلاً قبيحاً لا يناسِب معهم الملاطفة والملايَنة.
ثم قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ} يعني: جميع الرّسل- عليهم الصلاة والسلام- ومنهم: محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} بشرعه ودينه، أو بتوفيقه سبحانه وتعالى، فالواجب: طاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم مخالفته، ومن طاعته: التحاكُم إليه.
ثم بيّن سبحانه وتعالى: أنّ هؤلاء لو تابوا ورجعوا إلى الله لتاب الله عليهم، فقال:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} يعني: لَمّا حصل منهم ما حصل من التحاكُم إلى غير كتاب الله وسنّة رسوله {جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ} هذا عَرْضٌ للتّوبة. {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} لأنّ استغفار الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شفاعةٌ منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو يستغفر للمذنبين والمسيئين، ويدعو للمسلمين في قضاء حوائجهم، فهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته يستغفر ويدعو للمسلمين، أما بعد مماته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يُذهب إلى قبره، ولا يُطلب منه الاستغفار ولا الدّعاء، لأنّ هذا انتهى بموته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن بقي- ولله الحمد- كتابُ الله وسنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهما الخير، وفيهما البَرَكة، وما كان الصّحابة رضي الله عنهم يذهبون إلى قبره، ويطلبون منه ذلك.
أما الذين يستدلّون بهذه الآية على المجيء إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدعاء عنده، وطلب الاستغفار من الرّسول وهو ميّت، فهذا باطل، لأن الصّحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا هذا، وهم أعلم الأمة وأحرص الأمة على الخير، وما كانوا يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أشكل عليهم شيء، أو نزلت بهم نازلة، أو أصابهم قحط، أو انحباس مطر، أو أصابتهم شدّة من الشّدائد، ما كانت القرون المفضّلة يأتون إلى قبر الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يطلُبون من الله، وإذا كان فيهم أحدٌ من أهل الصلاح أو من قَرابة الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبوا منه أن يدعوَ الله لهم، كما فعل عمر رضي الله عنه مع العبّاس بن