لئلا يفعلوا بقبر نبيهم ما فعل اليهود والنصارى مع قبور أنبيائهم. فالذي حمله على هذا تحذير هذه الأمة لئلا تعمل هذا العمل، فلا تتخذ القبور مساجد، سواء بُني عليها أو لم يُبن عليها، إذا بُني عليها فالأمر أشد، وإذا لم يُبن عليها، وصلّي عندها، ودعا عندها فكذلك، هذا من اتخاذها مساجد كما يأتي.
"ولو ذلك" أي: ولولا الخوف من أن يحصل عند قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما حصل عند قبور أنبياء بني إسرائيل.
"أبرز قبره" أي: لدفن في مكان بارز يراه الناس.
"ولكنه خَشي" بالفتح، أو "خُشي" بالضم.
"أن يتخذ قبره مسجداً" يعني: مكان صلاة ودعاء، كما فعل اليهود والنصارى عند قبور أنبيائهم.
فقطعاً لهذه الذريعة وسدًّا لهذا الباب دُفِنَ - عليه الصلاة والسلام- في بيته في حجرة عائشة، داخل الجدران وتحت السقف، لا يراه أحد.
"ولا يزال- والحمد لله- في صيانة وأمانة، فلا يزال في بيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محاطاً بالجدران لا يراه أحد، صيانة لقبره أن يُفعل عنده كما فعلت اليهود والنصارى عند قبور أنبيائهم.
هذه هي الحكمة في دفنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته، وعدم دفنه في المقبرة مع أصحابه في البقيع.
قال ابن القيم:
ودعا بأن لا يجعل القبر الذي ... قد ضمه وثناً من الأوثان
فأجاب رب العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى اغترت أرجاؤه بدعائه ... في عزة وحماية وصيان
فدلّ ذلك على تحريم الغلو في القبور، والبناء عليها، واتخاذ بقاعها أمكنة للصلاة عندها، والدعاء عندها.
ويُستفاد من هذين الحديثين مسائل عظيمة:
المسألة الأولى: تحريم البناء على القبور، لأن ذلك وسيلة إلى الشرك بالله عزّ وجلّ،