ولهما عنها قالت: لما نزل برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ طَفِق يطرح خميصة له على وجهه، فقال: وهو كذلك:
ــ
صورة المسيح بزعمهم، ويُخشى أن يقع الشرك في هذه الأمة بسبب نصب التماثيل للعلماء والعباد الصالحين، فهذه فتنة عظيمة، حذّر منها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: "ولهما" أي: البخاريّ ومسلم.
"عنها قالت: لما نُزل برسول الله " يعني:. نزل به الموت -عليه الصلاة والسلام-.
"طَفِقَ" طَفِقَ: من أفعال الشروع عند أهل اللغة، أي: جعل يفعل كذا.
"يطرح خميصة" أي: يضعها، والخميصة: كساء له أعلام، أي فيه خطوط.
"على وجهه" يغطّي وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها وهو في هذه الحالة.
"فإذا اغتم بها" أي: ضيّقت نفسه- عليه الصلاة والسلام-.
"كشفها" من أجل أن يتنفّس.
"فقال- وهو كذلك-" يعني: في هذه الحالة الحرجة، لم يشتغل عن الدعوة إلى التّوحيد، وإنكار الشرك، ونصيحة الأمة، صلوات الله وسلامه عليه.
والمناسبة: أنه لما شعر بالموت خشي على أمته أن تفعل عند قبره ما فعل من قبلها من الأمم عند قبور الأنبياء والصالحين، فلم يترك الفرصة تذهب، وإنما استغلها بالنصيحة للأمة- عليه الصلاة والسلام.
فإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحذّر من الشرك وهو في هذه الحالة، فهذا دليل على أن التحذير من الشرك أمر متعيّن، وأنه يجب على الدعاة أن يهتموا بهذا الأمر اهتماماً بالغاً قبل غيره، قبل أن يحثوا النّاس على الصلاة والصيام، وترك الربا، وترك الزنا، وترك شرب الخمر، قبل ذلك ينهوهم عن الشرك، لاسيّما إذا كان واقعاً في الأمة، فالسكوت عنه من الغش للأمة، فلابد أن يُبدأ به، وأن يُعمل على إزالته قبل كل شيء، لأنه إذا صلحت العقيدة صلحت بقية الأعمال.
أما إذا فسدت العقيدة فلا فائدة في الأعمال كلها، ولو ترك الربا، وتصدق بماله، وصلى الليل والنهار، وصام الدهر، وحج، واعتمر، وعنده شيء من الشرك الأكبر، فإن أعماله تكون هباءً منثوراً، لا فائدة منها، أما إذا كان موحّداً خالياً من