علي أسفر بالفجر جدا. وروى عن ابن فضيل، عن رضي بن أبي عقيل،
عن أبيه قال: كان ربيع بن حنين يقول له- وكان مؤدبه-: يا أبا عقيل
نَوَر نَور. وروى عن وكيع، عن عثمان بن أبي هند أن عمر بن عبد العزيز
كان يُسفر بالفجر. وعن وكيع- أيضا-، عن سفيان، عن الأعمش
قال: كان أصحاب عبد الله يسفرون بالفجر. وعن وكيع- أيضا-،
عن سفيان، عن عُبيد المكتب، عن إبراهيم أنه كان يُنور بالفجر. وعنه
- أيضا-، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم قال: ما اجتمع
أصحاب محمد- عليه السلام- على شيء ما أجمعوا على التَنوير
بالفجر. وفي الباب أحاديث وآثار كثيرة غير ما ذكرنا.
فإن قيل: قد تأول الإسفار في هذه الأحاديث بظهور الفجر، وقد قال
الترمذي: وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق: معنى الإسفار أن يُصبح
الفجر ولا يُشك فيه، ولم يَروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة. قلت:
هذا التأويل غير صحيح؛ فإن الغلس الذي يقولون به هو اختلاط ظلام
الليل بنور النهار- كما ذكره أهل اللغة- وقبل ظهور الفجر لا تصح
صلاة الفجر، فثبت أن المراد بالإسفار إنما هو التنوير؛ وهو التأخير عن
الغلس وزوال الظلمة، وأيضا- فقوله: " أعظم للأجر " يقتضي حصول
الأجر في الصلاة بالغلس، فلو كان الإسفار هو وضوح الفجر وظهوره،
لم يكن في وقت الغلس أجر لخروجه عن الوقت، وأيضا- يُبطل تأويلهم
ذلك " (١) ما رواه ابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو داود
الطيالسي في " مسَانيدهم " والطبراني في " معجمه "، قال الطيالسي:
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني، وقال/الباقون: حدثنا أبو نعيم
الفضل بن دكن: ثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني: ثنا هرير بن عبد الرحمن
ابن رافع بن خديج: سمِعتُ جذي: رافع بن خديج يقول: قال (٢)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال: " يا بلال! نور صلاة الصبح حتى يُبصر
(١) انظر: نصب الراية (١/٢٣٨- ٢٣٩)
(٢) مكررة في الأصل.