للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أرسل (عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا)، وهي الباردة الشديدة البرد، (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) أي: عليهم. قاله الضحاك، وقتادة، والسّدّي. (مُسْتَمِرٍّ) عليهم نحسه ودماره؛ لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي.

وقوله: (تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار، ثم تنكسه على أم رأسه، فيسقط إلى الأرض، فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس؛ ولهذا قال: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧)﴾.

وهذا إخبار عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم صالحا، (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ)، يقولون: لقد خبنا وخسرنا إن سلمنا كُلّنا قيادنا لواحد منا!

ثم تعجبوا من إلقاء الوحي عليه خاصة من دونهم، ثم رموه بالكذب فقالوا: (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أي: متجاوز في حد الكذب. قال الله تعالى: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ) وهذا تهديد لهم شديد ووعيد أكيد.

ثم قال تعالى: (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي: اختبارا لهم؛ أخرج الله لهم ناقة عظيمة عُشراء من صخرة صمَّاء طبق ما سألوا، لتكون حجة الله عليهم في تصديق صالح، ، فيما جاءهم به.

ثم قال آمرا لعبده ورسوله صالح: (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) أي: انتظر ما يؤول إليه أمرهم، واصبر عليهم، فإن العاقبة لك والنصر لك في الدنيا والآخرة.

﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)﴾.

(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أي: يوم لهم ويوم للناقة؛ كقوله: ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥].

وقوله: (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) قال مجاهد: إذا غابت حضروا الماء، وإذا جاءت حضروا اللبن.

ثم قال تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ) قال المفسرون: هو عاقر الناقة، واسمه قُدّار بن سالف، وكان أشقى قومه. كقوله: ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ [الشمس: ١٢]. (فَتَعَاطَى) أي: فَجَسر (١)

(فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) أي: فعاقبتهم، فكيف كان عقابي (٢) [لهم] (٣) على كفرهم بي


(١) في م: "حسر".
(٢) في م: "عذابي".
(٣) زيادة من م، أ.