للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَرّاك أمْكنَة إذَا لم أرْضَها (١) … أو يَعْتَلق (٢) بَعْضَ النفوس حمَامُها (٣)

وأولوه على أنه أراد جميع النفوس. قال ابن جرير: وإنما أراد نفسه فقط، وعبر بالبعض عنها. وهذا الذي قاله محتمل.

وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ) أي: [فيما] (٤) أمركم به، (وأطيعون)، فيما جئتكم به، (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي: أنا وأنتم عبيد له، فقراء إليه، مشتركون في عبادته وحده لا شريك له، (هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي: هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم، وهو عبادة الرب، ﷿، وحده.

وقوله: (فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) أي: اختلفت الفرق وصاروا شيعا فيه، منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله -وهو الحق-ومنهم من يدعي أنه ولد الله، ومنهم من يقول: إنه الله -تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا-ولهذا قال: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ)

يقول تعالى: هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل (إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)؟ أي: فإنها كائنة لا محالة وواقعة، وهؤلاء غافلون عنها غير مستعدين [لها] (٥) فإذا جاءت إنما تجيء وهم لا يشعرون بها، فحينئذ يندمون كل الندم، حيث لا ينفعهم ولا يدفع عنهم.

وقوله: (الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) أي: كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله، ﷿، فإنه دائم بدوامه. وهذا كما قال إبراهيم، ، لقومه: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٥].

وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث (٦)، عن علي، رضي الله


(١) في أ: "أرمنها".
(٢) في أ: "يقتلوا".
(٣) البيت في تفسير الطبري (٢٥/ ٥٥) وديوان لبيد العامري (ص ٣١٣).
(٤) زيادة من ت، م، أ.
(٥) زيادة من أ.
(٦) في ت: "وروى ابن أبي حاتم عن علي".