للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١)

وقوله: (إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ) يعني: عيسى، ، ما هو إلا عبد [من عباد الله] (٢) أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة، (وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) أي: دلالة وحجة وبرهانا على قدرتنا على ما نشاء.

وقوله: (وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ) أي: بدلكم (٣) (مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ)، قال السدي: يخلفونك فيها. وقال ابن عباس، وقتادة: يخلف بعضهم بعضا، كما يخلف بعضكم بعضا. وهذا القول يستلزم الأول. وقال مجاهد: يعمرون الأرض بدلكم.

﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ (٦٧) يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٣)﴾.

وقوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ): تقدم تفسير ابن إسحاق: أن المراد من ذلك: ما بُعث به عيسى، ، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من الأسقام. وفي هذا نظر. وأبعد منه ما حكاه قتادة، عن الحسن البصري وسعيد بن جبير: أي الضمير في (وإنه)، عائد على القرآن، بل الصحيح أنه عائد على عيسى [] (٤)، فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، كما قال : ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أي: قبل موت عيسى، ، ثم ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٥٩]، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى: "وإنه لعَلَم للساعة" أي: أمارة ودليل على وقوع الساعة، قال مجاهد: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) أي: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. وهكذا روي عن أبي هريرة [] (٥)، وابن عباس، وأبي العالية، وأبي مالك، وعكرمة، والحسن وقتادة، والضحاك، وغيرهم.

وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله أنه أخبر بنزول عيسى [ابن مريم] (٦)، قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا.

وقوله: (فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا) أي: لا تشكوا (٧) فيها، إنها واقعة وكائنة لا محالة، (واتبعون) أي: فيما أخبركم به (هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) أي: عن اتباع الحق (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) أي: بالنبوة (وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ)

قال ابن جرير: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية (٨). وهذا الذي قاله حسن جيد، ثم رد قول من زعم أن "بعض" هاهنا بمعنى "كل"، واستشهد بقول لبيد الشاعر:


(١) تفسير الطبري (٢٥/ ٥٣).
(٢) زيادة من ت، م.
(٣) في ت: "بدلا منكم".
(٤) زيادة من ت.
(٥) زيادة من ت.
(٦) زيادة من ت، م.
(٧) في ت، م، أ: "تشكون".
(٨) تفسير الطبري (٢٥/ ٥٥).