وقال تعالى مخبرا عنهم هاهنا:(وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ)، ثم قال تعالى:(أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) أي: أوليس الله بأعلم بما في قلوبهم، وما تكنُّه ضمائرهم، وإن أظهروا لكم الموافقة؟
وقوله:(وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) أي: وليختبرَنّ الله الناس بالضراء والسراء، ليتميز هؤلاء من هؤلاء، ومن يطيع الله في الضراء والسراء، إنما يطيعه في حظ نفسه، كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: ٣١]، وقال تعالى بعد وقعة أحد، التي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ الآية [آل عمران: ١٧٩]، [والله أعلم](١).
يقول تعالى مخبرا عن كفار قريش: أنهم قالوا لِمَنْ آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا، واتبعوا سبيلنا، (وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) أي: وآثامكم -إن كانت لكم آثام في ذلك -علينا وفي رقابنا، كما يقول القائل:"افعل هذا وخطيئتك في رقبتي". قال الله تكذيبا لهم:(وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) أي: فيما قالوه: إنهم يحملون عن أولئك خطاياهم، فإنه لا يحمل أحد وزر أحد، ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨]، وقال تعالى: ﴿وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج: ١٠، ١١].
وقوله:(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ): إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة، أنهم يوم القيامة يحملون أوزار أنفسهم، وأوزارًا أخَر بسبب مَنْ أضلوا مِنَ الناس، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئا، كما قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥].
وفي الصحيح: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، وَمَنْ دعا إلى ضلالة كان عليه مِنَ الإثم مثل آثام مَنِ اتبعه إلى يوم