للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يخبر تعالى عن العلماء الأولياء (١) من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة: ١٢١]، وقال: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا﴾ [الإسراء: ١٠٧، ١٠٨]، وقال: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: ٨٢، ٨٣].

قال سعيد بن جبير: نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي، فلما قدموا على النبي قرأ عليهم: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ حتى ختمها، فجعلوا يبكون وأسلموا، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) يعني: من قبل هذا القرآن كنا مسلمين، أي: موحدين مخلصين لله مستجيبين له.

قال الله: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) أي: هؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول ثم بالثاني [يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالرسول الأول ثم بالثاني] (٢)؛ ولهذا قال: (بِمَا صَبَرُوا) أي: على اتباع الحق؛ فإنَّ تجشُّم مثل هذا شديد على النفوس. وقد ورد في الصحيحين من حديث عامر الشعبي، عن أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى الأشعري، ، قال: قال رسول الله : "ثلاثة يُؤتَونَ أجْرهم مَرّتَين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورَجُل كانت له أمَة فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوَّجها" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق السَّيلَحيني، حدثنا ابن لَهِيعة، عن سليمان (٤) بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: إني لتحتَ راحلة رسول الله يوم الفتح، فقال قولا حسنًا جميلا وقال فيما قال: "مَنْ أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين، وله ما لنا وعليه ما علينا، [ومَنْ أسلم من المشركين، فله أجره، وله ما لنا وعليه ما علينا] " (٥) (٦).

وقوله (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي: لا يقابلون السيئ (٧) بمثله، ولكن يعفون ويصفحون. (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) أي: ومن الذي رزقهم من الحلال ينفقون على خَلْق الله في النفقات الواجبة لأهلهم وأقاربهم، والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات، وصدقات النفل والقربات.


(١) في ت، ف: "الألباء" وفي أ: "الألباب".
(٢) زيادة من ت، ف، أ.
(٣) صحيح البخاري برقم (٩٧) وصحيح مسلم برقم (١٥٤).
(٤) في، أ: "سليم".
(٥) زيادة من ف، أ، ومسند أحمد.
(٦) المسند (٥/ ٢٥٩).
(٧) في ت، ف، أ: "يقابلون على السيئ".