للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال في آخر السورة: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾، إلى أن قال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٥]، وقالت الجن: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ][الأحقاف: ٣٠] (١) وقال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي أنزل [الله] (٢) على موسى. وقد علم بالضرورة لذوي الألباب أن الله لم ينزل كتابًا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمد (٣)، وهو القرآن، وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران، ، وهو التوراة التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤]. والإنجيل إنما نزل متمما للتوراة ومُحلا لبعض ما حُرّم على بني إسرائيل. ولهذا قال تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي: فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل.

قال الله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي: فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتبعوا الحق (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) أي: بلا دليل ولا حجة (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) أي: بغير حجة مأخوذة من كتاب الله، (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١)﴾.

وقوله: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) قال مجاهد: فصلنا لهم القول. وقال السدي: بينا لهم القول.

وقال قتادة: يقول تعالى: أخبَرَهم كيف صُنع بِمَنْ مضى وكيف هو صانع، (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

قال مجاهد وغيره: (وَصَّلْنَا لَهُمُ) يعني: قريشا. وهذا هو الظاهر، لكن قال حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جَعْدَة، عن رفاعة -رفاعة هذا هو ابن قَرَظَة القُرَظيّ، وجعله ابن منده: رفاعة بن سموال، خال صفية بنت حيي، وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا، كذا ذكره ابن الأثير (٤) -قال: نزلت (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) في عشرة أنا أحدهم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه (٥).

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)﴾.


(١) زيادة من أ.
(٢) زيادة من ف.
(٣) في ف، أ: "صلوات الله وسلامه عليه".
(٤) أسد الغابة لابن الأثير (٢/ ٢٢٨).
(٥) تفسير الطبري (٢٠/ ٥٦) ورواه اللطبراني في المعجم الكبير (٥/ ٥٣) من طريق حماد بن سلمة به.