للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود: ما فعل؟ فيقولون له: لا ندري. حتى قبض الله النبي، وَأهبّ الأسودَ من نومته بعد ذلك". فقال رسول الله : "إن ذلك الأسودَ لأولُ من يدخل الجنة".

وهكذا رواه ابن جرير (١) عن ابن حميد، عن سلمة عن ابن إسحاق، عن محمد بن كعب مرسلا. وفيه غرابة ونَكارَةٌ، ولعل فيه إدْرَاجاً، والله أعلم. وأما ابن جرير فقال: لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن؛ لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم، اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث، آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم، والله أعلم.

واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود، الذين ذكروا في سورة البروج، فالله أعلم.

وقوله: (وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) أي: وأمما بين أضعاف مَنْ ذُكر أهلكناهم كثيرة؛ ولهذا قال: (وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ) أي: بينا لهم الحجج، ووضَّحنا لهم الأدلة -كما قال قتادة: أزحنا (٢) عنهم الأعذار - (وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) أي: أهلكنا إهلاكاً، كقوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧].

والقرن: هو الأمة من الناس، كقوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٢] وحدَّه بعضهم (٣) بمائة وعشرين سنة. وقيل: بمائة سنة. وقيل: بثمانين سنة. وقيل: أربعين. وقيل غير ذلك. والأظهر: أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد؛ فإذا ذهبوا وخلفهم جيل آخر فهم قرن ثان، كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" الحديث.

وقوله: (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) يعني: قوم لوط، وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب، وبالمطر الحجارة من سجيل، كما قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٣]، وقال: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨] وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ [الحجر: ٧٦] وقال ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ٧٩]؛ ولهذا قال: (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا) أي: فيعتبروا بما حَلّ بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول ومخالفتهم أوامر الله.

وقوله: (بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا) يعني: المارين بها من الكفار لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشوراً، أي: معادًا يوم القيامة.

﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا (٤١) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا (٤٣)


(١) تفسير الطبري: ١٩/ ١٠.
(٢) في أ: "وأزحنا".
(٣) في ف، أ: "بعض المفسرين".