للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: يظهر فضائحهم، وما كانت تُجنّه ضمائرهم، فيجعله علانية، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق: ٩] أي: تظهر وتشتهر (١)، كما في الصحيحين (٢) عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غَدْرَته، فيقال: هذه غَدْرَة فلان بن فلان" (٣).

﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧)

وهكذا هؤلاء، يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر، ويخزيهم الله على رءوس الخلائق، ويقول لهم الرب مقرعا لهم وموبخا: (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) تحاربون وتعادون في سبيلهم، [أي] (٤): أين هم عن نصركم وخلاصكم هاهنا؟ ﴿هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشعراء: ٩٣]، ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ﴾ [الطارق: ١٠]. فإذا توجهت عليهم الحجة، وقامت عليهم الدلالة، وحقت عليهم الكلمة، وأسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار (٥) (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) -وهم السادة في الدنيا والآخرة، والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة، فيقولون حينئذ: (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) أي: الفضيحة والعذاب اليوم [محيط] (٦) بمن كفر بالله، وأشرك به ما لا يضره ولا ينفعه.

﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)

يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم: (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أي: أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين: (مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) كما يقولون يوم المعاد: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ [المجادلة: ١٨].

قال الله مكذبا لهم في قيلهم ذلك: (بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٧) أي: بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان، لمن كان متكبرًا عن آيات الله واتباع رسله.

وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، ويأتي (٨) أجسادهم في قبورها من حرِّها وسمومها، فإذا كان يوم القيامة سلكت (٩) أرواحهم في أجسادهم، وخلدت في نار جهنم، ﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦]، كما قال الله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٦].

﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)


(١) في ت: "يظهر ويستتر".
(٢) في ت: "الصحيح".
(٣) صحيح البخاري برقم (٣١٨٨) وصحيح مسلم برقم (١٧٣٥).
(٤) زيادة من ت، ف، أ.
(٥) في ت، ف، أ: "لا قرار".
(٦) زيادة من ف.
(٧) في ت: "فبئس".
(٨) في ت، أ: "وينال".
(٩) في ت: "سالت".