للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله. وهو قوله: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً) [وهو الشك] (١) (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ) وهو اليقين، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خَبَثه في النار؛ فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك.

وقال العوفي عن ابن عباس قوله: (أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا) يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودِمْنَة (٢) (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد، فللنحاس والحديد خبث، فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء، فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت. فجعل ذاك (٣) مثل العمل الصالح يبقى لأهله، والعمل السيئ يضمحل عن أهله، كما يذهب هذا الزبد، فكذلك الهدى والحق جاءا من عند الله، فمن عمل بالحق كان له، ويبقى كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض. وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار فتأكل خبَثَه، ويخرج جيده فينتفع به. كذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة، وأقيم الناس، وعرضت الأعمال، فيزيغ الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحق بالحق.

وكذلك رُوي في تفسيرها عن مجاهد، والحسن البصري، وعطاء، وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف.

وقد ضرب الله، ، في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين ناريا ومائيا، وهما قوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ الآية [البقرة: ١٧]، ثم قال: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ الآية [البقرة: ١٩]. وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور مثلين، أحدهما: قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾ [النور: ٣٩] الآية، والسراب إنما يكون في شدة الحر؛ ولهذا جاء في الصحيحين: "فيقال لليهود يوم القيامة: فما تريدون؟ فيقولون: أيْ رَبَّنا، عطشنا فاسقنا. فيقال: ألا تردون؟ فيردون النار فإذا هي كالسراب يَحْطِم بعضها بعضا".

ثم قال في المثل الآخر: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾ الآية [النور: ٤٠]. وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت (٤) الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها [أخرى] (٥) إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في أ: "ورمة".
(٣) في ت، أ: "ذلك".
(٤) في ت: "وأنبتت".
(٥) زيادة من ت، أ، والصحيحين.