للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد كانت الأمم الذين (١) كانوا قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع الله على هذه الأمة أمورها، وسهلها لهم؛ ولهذا قال رسول الله : "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تقل أو تعمل" (٢) وقال: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (٣)؛ ولهذا قد أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه: قد فعلت، قد فعلت (٤)

وقوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) أي: عظموه ووقروه، (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ) أي: القرآن والوحي الذي جاء به مبلغًا إلى الناس، (أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي: في الدنيا والآخرة.

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)

يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد (قُلْ) يا محمد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وهذا خطاب للأحمر والأسود، والعربي والعجمي، (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) أي: جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين، وأنه مبعوث إلى الناس كافة، كما قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧] وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ﴾ [آل عمران: ٢٠] والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه، صلوات الله وسلامه عليه، رسول الله إلى الناس كلهم.

قال البخاري، ، في تفسير هذه الآية: حدثنا عبد الله، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وموسى بن هارون قالا حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زَبْر (٥) حدثني بسر (٦) ابن عبيد الله، حدثني أبو إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء، ، يقول: كانت بين أبي بكر وعمر، ، محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عمر عنه مغضبا، فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله -فقال أبو الدرداء: ونحن عنده -فقال (٧) رسول الله "أما صاحبكم هذا فقد غامر" -أي:


(١) في ك: "التي".
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٢٦٩) ومسلم في صحيحه برقم (١٢٧) من حديث أبي هريرة.
(٣) رواه ابن ماجة في السنن برقم (٢٠٤٥) من حديث أبي ذر، ، وقد سبق تخريجه وذكر شواهده.
(٤) صحيح مسلم برقم (١٢٦) من حديث ابن عباس، .
(٥) في أ: "زيد".
(٦) في أ: "بشر".
(٧) في ك، م، أ: "قال".