للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح؛ فصام حتى بلغ كراعة الغميم١، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، فدعا صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء بين الصلاتين فشربه، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعض الناس، وصام بعضهم. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناسا صاموا، فقال صلى الله عليه وسلم: "أولئك العصاة" ثلاث مرات٢ ... انتهى.

ومنها: أن ابن إسحاق لم يبين الوقت الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه مر الظهران، وقد بين ذلك ابن سعد، مع أمرين آخرين لا يفهمهما كلام ابن إسحاق؛ لأن الحافظ أبا الفتح ابن سيد الناس قال في "سيرته" فيما أخبرت به عنه: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران٣، وقال ابن سعد: نزله عشاء؛ فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار. وجعل على الحرس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه٤ ... انتهى.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق يقتضي أإن بديل بن ورقاء هو القائل لأبي سفيان لما تعجب مما رآه من النيران والعسكر بمر الظهران: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب. وكلام ابن عقبة يقتضي أن أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، قالوا ذلك. وأنهم قالوا في ذلك غيره؛ وذلك أرضا لا يفهم من كلام ابن إسحاق؛ لأن ابن عقبة قال: وبعثت قريش أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وخرج معهما بديل بن ورقاء، فاطلعوا على مر الظهران حتى بلغوا الأراك؛ وذلك عشاء، فإذا النيران والفساطيط، والعسكر، وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك، وفزعوا؛ فقالوا: هذه بنو كعب حمشتها٥ الحرب ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: هؤلاء أكثر من بني كعب، ثم قالوا: فلعلكم هوازن انتجعوا أرضنا، ولا والله ما يعرف هذا أيضا ... انتهى.

وذكر الفاكهي في الخبر الذي رواه عن محمد بن إدريس بن عمر -المشار إليه- ما يقتضي أن أبا سفيان لما سأل عن العسكر والنيران، قيل له في ذلك غير ما سبق؛ لأنه قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فارتحلوا؛ فسار حتى نزلوا مر، قال: وجاء أبو سفيان ليلا؛ فرأى العسكر والنيران، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: هذه تميم، أمحلت بلادها، وانتجعت بلادكم، قال: هؤلاء والله أكثر من أهل منى، أو قال: مثل أهل منى٦ ... انتهى.


١ كراع الغميم: بالضم، موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة "معجم البلدان ٤/ ٤٤٣"، ويقال له اليوم: كراع فقط، وهو موضع مشهور حتى الآن بهذا الاسم وهو في طريق مكة-المدينة.
٢ أخبار مكة للفاكهي ٥/ ٢١٠.
٣ عيون الأثر ٢/ ١٦٨.
٤ الطبقات الكبرى ٢/ ١٥٧.
٥ حمشتها: حرضتها.
٦ أخبار مكة للفاكهي ٥/ ٢١٠-٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>