للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى قوله في هذا الخبر: هؤلاء والله أكثر من أهل منى: شبههم في الكثرة بالحجاج الذين ينزلوا بمنى، وليس المراد من ذلك أهل منى الذين هم سكانها دائما لقلتهم، والله أعلم.

وفي البخاري ما يقتضي أن أبا سفيان شبه ما رآه من النيران بمر الظهران بنيران عرفة، وسيأتي ذلك قريبا، ومراد أبي سفيان بنيران عرفة النيران التي يوقدها الحجاج بعرفة لكثرتهم، والله أعلم.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق يقتضي أن أبا سفيان لم يعلم بخبر ما رأى بمر الظهران من العسكر إلا من العباس -رضي الله عنه؛ لأنه قال بعد أن ذكر خروج العباس -رضي الله عنه- عن العسكر رجاء أن يجد من يبعثه إلى أهل مكة ليعلمهم الخبر؛ حتى يخرجوا فيستأمنوا لأنفسهم، ومحاورة أبي سفيان وبديل فيما رأيا من النيران والعسكر، قال: فعرفت صوته -يعني أبا سفيان- فقلت: يا أبا حنظلة؛ فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل؟! قلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي، قال: قلت: ويحك يا أبا سفيان. فأخبره العباس الخبر ... انتهى.

ومنها: أن كلام ابن إسحاق يقتضي أن أبا سفيان لما علم من العباس -رضي الله عنه- بما رآه وتعجب منه من العسكر والنيران استشار العباس -رضي الله عنه- فيما يصنع؛ فأشار إليه العباس -رضي الله عنه- بأن يذهب معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأمنه له؛ ففعل أبو سفيان ذلك. وكلام ابن عقبة يقتضي أن أبا سفيان ومن معه أخذوا قهرا، وذهب بهم إلى العسكر فلقيهم العباس -رضي الله عنه- وأجارهم؛ لأنه قال: بعد أن ذكر قول أبي سفيان، وحكيم وبديل فيما رأوه من العسكر والنيران بمر الظهران: فبينما هم كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر، كان بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش، نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم؟ فلما دخل بهم إلى العسكر، لقيهم العباس -رضي الله عنه- فأجارهم؛ فقال: يا أبا حنظلة ثكلتك أمك وعشريتك؛ هذا محمد رسول الله وجميع المؤمني، فأدخلوا فأسلموا ... انتهى. وفي هذا موافقة لما في الخبر الذي ذكره الفاكهي من أن أبا سفيان علم خبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير العباس -رضي الله عنه١.


١ أخبار مكة للفاكهي ٥/ ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>