للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إذا جئنا إلى ما يؤثر عن السلف في هذا نجد حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه الإمام مسلم وأصحاب السنن من طريق كريب قال: (أرسلتني أم الفضل بنت الحارث والدة عبد الله بن عباس إلى معاوية بالشام فلما قضيت حاجتها ورجعت إلى المدينة سألني ابن عباس ثم قال لي: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقالت: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: ولكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ٣٠ أو نرى الهلال فقلت: أو ما تكتفي رؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.) قد يقول قائل: أن هذا الحديث موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما والصحابي مهما كانت منزلته في القلب يجوز أن يخالف في الاجتهاد. أقول جوابا على هذا حسب نظري: أن الصحابي إذا قال: سمعت رسول الله, أو أمرنا رسول الله أو نهانا رسول الله, حسب ما عرفت من كتب مصطلح الحديث لأن لهذا الحديث حكم الرفع فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن قول الصحابي نهينا عن كذا أو أمرنا بكذا له حكم الرفع, فكيف إذا نص على أن الآمر أو الناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أن بعض العلماء حملوا كلام ابن عباس رضي الله عنهما على أنه متأول لقول الرسول صلى الله عليه وسلم. صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته الذي يحتمل ضروبا من التأويل والجواب عن هذا ما الذي يكلفنا إلى أن نقول أن ابن عباس اعتمد إلى هذا الحديث بنفسه؟ ليس هناك دليل بأن ابن عباس رضي الله عنهما لما أراد ((هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.)) أنه أراد هذا الحديث بنفسه وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم. ((صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)) . الفارق بين الشام والحجاز طبعا أقل من الفارق بين بلاد الخليج مثلا وبين بلاد المغرب وكذلك أقل بكثير من الفارق ما بين بداية البلاد الإسلامية من جهة الشرق ونهايتها من جهة الغرب فضلا عن الفارق الكبير بين أنحاء الكرة الأرضية. وأقول ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث الذي رواه مسلم ولما أذكر نص الحديث ولكن حسب حفظي بأن الناس لما تراؤا الهلال قال بعضهم: هو لليلتين. وقال بعضهم: هو لثلاث, قال ابن عباس هو لليلة رأيتموه, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أظلمه لكم لتروه)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>