في الواقع أنا حريص أن أستفيد أكثر مما أفيد لأن بضاعتي في كل شئ مزجاة وفي هذه المسألة بالذات في هذه الأيام القريبة لم أدرسها مع إنني في الأيام السابقة عنيت بدراسة بعض جوانبها ولعله قد علق بذهني شئ من المعلومات التي تتعلق بها منذ تلك السنين الماضية إلا أن المشايخ الذين تحدثوا جزاهم الله خيرا قد أغنوا عن ذكري للمواضيع التي قد كنت حريصا على ذكرها. وإنما أريد أن أتحدث في شئ لا يكون تكرارا لما قيل وإن كان في الواقع تأييد لرأي من هذه الآراء, هذه المسألة ذات شقين:
الشق الأول: العمل بالحساب الفلكي في بداية الشهور ونهايتها أو في بداية الصوم ونهايته وتحديد مواعيد الأعياد في الإسلام. ينبغي أن ننظر أولا إلى أن دين الإسلام الذي شرعه الله سبحانه وتعالى للعباد وكلفهم به هو دين ميسر لكل أحد يفهمه الناس على اختلاف طبقاتهم الفكرية, فهناك الذكي وهناك الضعيف وهناك القادر على الفهم وهناك العاجز عن الفهم, فلذلك كان هناك الدين الحنيف دينا ميسرا ولم يكن دينا معقدا.
وقد أناط الله تعالى العبادات بأشياء مفهومة للعباد, ورؤية الأهلة أمر مشترك بين جميع الناس ليس هنالك فارق ما بين الذكي والغبي والعالم والأمي بل ولا بين الرجل والمرأة أو الشاب والعجوز, إنما الكل في هذا الأمر سواء. بينما الحساب الفلكي هو أمر لا يعرفه إلا الخاصة من الناس, فقد يكون قطر بأسره ليس فيه حاسب فلكي. والأقطار التي عنيت بالحساب الفلكي الذين يتقنون هذا العلم هم قلة نادرة. فلو نظرنا إلى النسبة المئوية في هذه البلدان المتقدمة نسبة الذين يعرفون أو يتقنون الحساب الفلكي منتهى الإتقان وسائر السكان لوجدنا النسبة ربما لا تصل إلى واحد في المائة, مع أن عبادة الصوم مطلوبة من الكل, فأرى من هذا الإلزام, إلزام الناس بالأخذ بالحساب الفلكي أو فتح هذا الباب تكليف الناس أو تكليف عامة الناس بما يجهلونه, هذا من ناحية, أما ما ذكر من أن الناس أصبحوا الآن يعتمدون على الساعة مثلا في فهم مواقيت الصلاة مع أن الصلاة أهم ركن في الإسلام بعد العقيدة فهذا قياس مع الفارق لأن الساعة يضبطها الفاهم وغير الفاهم الشاب والعجوز, العالم الكبير والجاهل الغبي, كل منهم يستطيع أن يضبط الساعة, أما الحساب الفلكي فضبطه لا يتيسر إلا للقلة النادرة. فمن هنا أرى في إلزام الناس أو في إصدار فتوى بالأخذ بالحساب الفلكي إحراجا على الناس, هذا من ناحية الشق الأول.