للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الخامس

حقيقة الجنين قبل نفخ الروح

الجنين الذي بلغ أربعة أشهر من عمره، ونفخت فيه الروح، يكون إنساناً بحسب مختلف التصورات، وعند جميع الطوائف والعلماء:

أما في الإسلام، فلأن الروح هي أصل الحياة الإنسانية، ومصدر الإرادة والشعور والتفكير - كما تبين مما سبق تفصيله - وباتصالها بالجسد الجنيني يصبح الجنين إنساناً، ويكون حياً بالحياة الإنسانية، ويظل كذلك ما دام جسده، وروحه متحدين، فإن افترقا حل به الموت.

وأما عند الذين لا يؤمنون بالروح، أو يؤمنون بها ولكن لا يجعلون لها أي أثر؟؛ فلأن الجنين ينبغي أن يعتبر عندهم إنسانا بمجرد تكونه من الحيوان المنوي وبيضة المرأة؛ إذ لا يوجد في مسار التطور الجسدي الجنيني نقطة تصلح لاعتبارها مبدأ لتكون الإنسان أهم من لحظة ذلك التكون؛ فهي أوضح نقطة في ذلك المسار، وفيها يصبح الجنين قادراً على التدرج في مدارج النمو الجسماني حتى يفضي إلى التخلق الكامل ثم الولادة. وقبلها لا يمكن أن يدخل في ذلك التدرج، ولأنه تكتمل الحصيلة الإرثية لجنس الإنسان من تلك اللحظة (١)

وهكذا، فإنه مع إنكار اتصال الروح بالجسد في زمن لاحق لتكون الجنين لا يوجد مبدأ أهم من ذلك التكون يصلح أن ينسب إليه وجود الإنسان، وإذا كان كذلك فإن الجنين الذي بلغ من عمره أربعة أشهر لا شك في اعتباره إنساناً عند هذا الفريق أيضاً. والنتيجة أنه لا يخالف أحد في وصف الجنين بالإنسانية بعد بلوغه أربعة أشهر ودخوله في الخامس.

وأما قبل نفخ الروح فينبغي أن تختلف النظرة فيه ببن علماء الإسلام وبين أولئك الذين لا يؤمنون بالروح أو يؤمنون بها ولا يرتبون أي أثر عليها، ولا يعترفون بفاعليتها في تكوين الإنسان:

فأما حقيقته في الإسلام، وكما يراها علماء المسلمين القدامى، فهو أنه مخلوق أودع الله فيه نوعاً من الحياة، بمجرد تكونه من ماء الرجل وماء المرأة، وجعل فيه قوى النمو والتطور البدني والاغتذاء ليصل إلى وضع جسماني يكون فيه صالحاً لنفخ الروح. وهو في هذه الفترة لا يكون آدمياً ولا يوصف بالإنسانية، ولا يكون حياً بالحياة الإنسانية (المتميزة عن جميع أنواع الحياة في هذا الوجود) . وكذلك لا يوصف بأنه آدمي ميت؛ لأن هذا الوصف لا يطلق إلا على الجسد الذي حلته الروح في وقت ما ثم فارقته. وهذا لم تحل فيه الروح أصلاً، فلا يوصف بأنه حي بالحياة الإنسانية، ولا يوصف بأي وصف يدل على أنها كانت فيه. فلا سبيل إلى تعريفه بغير ما ذكرنا من أنه مخلوق حي بحياة النمو والاغتذاء والتطور جعله الله أصلاً للآدمي الذي تنفخ فيه الروح.


(١) الحياة الإنسانية: بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي: ص ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>