للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الأعضاء الحية احتفظت بما أودع الله فيها من الحياة في جسد الأول تحت خدمة روحه، وفي جسد الثاني تحت خدمة روحه، وظلت هذه الحياة موجودة فيها في المرحلة الوسطى بعد الانفصال عن الجسد الأول وقبل الاتصال بالجسد الثاني. وهذه المرحلة الوسطى صار العلم يتدخل فيها بإطالة مدتها بواسطة التبريد بطرق فنية متقدمة. وإذا ذكرنا في هذا المقام ما أسفر عنه التقدم العلمي من التمكن من تبريد اللقيحة (وهي الجنين في مبدأ تكونه) إلى مدة طويلة تقدر بالسنوات، ثم إعادتها إلى وضعها الذي كانت عليه قبل التبريد وغرسها في رحم المرأة لتواصل نموها حتى تكتمل جنيناً ثم مولوداً (١) إذا ذكرنا ذلك أدركنا وجه الشبه بين هذه اللقيحة قبل أن تقترن بحياة الروح وبين أعضاء الجسد الأدمي بعد وفاة صاحبه وخروج روحه، التي أمكن تبريدها أيضاً والحفاظ على الحياة فيها أيضاً مدة من الزمن.

إن هذه الكشوف العلمية فيها أبلغ الدلالة على أن الإنسان الحي مخلوق استودعه الله نوعين من أنواع الحياة: إحداهما مخدومة هي الأصل والمقصودة من خلقه، والأخرى خادمة للأولى، جمع بينهما بأسلوب معجز لا يعلم حقيقته الأ الله تعالى. وأن الحياة الخادمة تخلق قبل المخدومة، بحيث تعد لاستقبال سيدها. وأن شخصية الإنسان تبدأ في هذه الدنيا عندما تجتمع الحياتان، وأنها تنتهي عندما تفترقان. وأن مجرد وجود الحياة الخادمة لا يستلزم وجود الحياة الإنسانية، وأن الحياة الحاملة للإنسان المنتجة لآثاره الإرادية، ليست هي إلا الحياة المخدومة، حتى إذا ما رحل مصدرها (وهو ما أسماه القرآن والسنة بالروح) انتهت حياة الإنسان في هذه الدنيا، وإن بقي بعد ذلك شيء من الحياة الخادمة في بعض أجزاء الجسد الآدمي.


(١) انظر بحثاً للدكتور عبد الله حسين باسلامه بعنوان "مصير الأجنة في البنوك " مطبوع في الثبت الكامل لأعمال ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية: ص ٤٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>