١- ليس في نصوص الكتاب والسنَّة تحديد حاصر لصيغ التعاقد ولا لوسائله، غاية ما جاءت به نصوصهما:
(أ) تنظيم ما كان عليه الناس عامة والعرب خاصة من وسائل وصيغ تواضعوا على التعاقد بها.
(ب) تكييف تلك الوسائل والصيغ بما يضمن بها العدل والإنصاف لطرفي التعاقد أو أطرافه، ويعصمها من الإجحاف بأي طرف سواء كان موجبًا أو قابلا.
٢- اختلافهم في (خيار المجلس) أو بالأحرى في ما سموه (خيار المجلس) ليس أكثر من مجرد اختلاف في فهم نصوص سنية أحادية مردّه إلى ما ألفته كل طائفة من أساليب وصيغ التعامل في البيع والشراء وما شاكلهما وفي بعضهما إلى ما بلغ هذه الطائفة ولم يبلغ تلك، أو لم يثبت عندها من نصوص سنية لو بلغتها أو ثبتت عندها لتغير فهمها ثم حكمها الذي استقرت عليه نتيجة لعدم اطلاعها على تلك النصوص أو تأكدها من صحتها، وجلي أن سبب ذلك هو أحادية النصوص وتوزع الصحابة رواتها في الأقطار التي افتتحها الإسلام فاستوطنوها وتحكم المسافة يومئذٍ في أسباب التواصل العلمي بين الناس لما كانت عليه وسائل الاتصال من البدائية وعدم المقدرة على إخضاع المسافة لرغبات الإنسان وحاجاته. وعند تجميع النصوص السنية وتأملها يتبين أن ما ذهب إليه مالك وأصحابه من اعتبار الافتراق في الخيار افتراقًا قوليًّا وليس بدنيًّا هو المطابق والمستجيب لمجموع مقتضيات تلك النصوص ولما يستوجبه تيسير التعامل بين الناس وتطور أساليبه تبعًا لتطور أنماط معايشهم وأساليبهم الحضارية.
٣- لا خلاف بين السلف في أن الوفاء بالعقود واجب على كل مسلم بنص قرآني صريح هو نص الآية الأولى من سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .
٤- وعند التدبر والتمحيص الدقيق لمجموع نصوص القرآن والسنة المبينة لحكم الله في العقود لا سبيل إلى الالتباس في أن كل ما عبّر عن إرادة الإنسان صح أن يكون صيغة للتعاقد لأن الصيغة ليست مطلوبة لذاتها وإنما هي مطلوبة باعتبارها أداة للتعبير عن إرادة المتعاقدين فالالتزام بصيغة معينة أو بلغة معينة أو بأداة معينة لتحقيق توصل الصيغ بين طرفي التعاقد أو أطرافه التزام ليس له أساس من النصوص الشرعية بل هو مجرد اجتهاد بعض الفقهاء مرده إلى ما تواضعوا عليه في العصور السالفة وألفوا استعماله في تعاملهم وتعاقدهم من الصيغ والوسائل والجمود على تلك الصيغ والوسائل تعطيل لتطبيق الشريعة الإسلامية في العصور التي تغيرت أساليب التعامل فيها بين الناس بتغير أنماطها الحضارية نتيجة للتطور الطبيعي للحضارة الإنسانية.