للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أركان القبض وشروطه:

لا يخفى أن القبض باعتباره تصرفًا من التصرفات فله أركانه وشروطه، ونحن في هذه العجالة نوجز القول فيها بقدر الإِمكان.

فأركانه هي القابض، والمقبض، والمقبوض، ويشترط في المتقابضَيْن ما يشترط في العاقدين من ثبوت الأهلية لهما، وفي جريان الخلاف بين الفقهاء في قبض الصبي المميز (١) ، والسفيه (٢) .

ويؤكد ذلك ما ذكره علماء الشروط والوثائق من التأكيد على ثبوت الأهلية الكاملة للقابضَيْن، حيث نجد في وثائقهم: "أقرّ فلان في صحة بدنه وعقله، وجواز أمره طائعًا أنه قبض واستوفى من فلان كذا ... " (٣) .

ولكن هناك استثناءات حيث يتساهل في القبض مالا يتساهل في العقد، فعلى سبيل المثال إن العقد لا يصح ألبتة عند الشافعية من الصبي – سواء كان مميِّزًا أم غير مميز – في حين يصح منه القبض، يقول الزركشي: "تعتبر فيه – أي القبض والإِقباض – الأهلية إلا في صور:

منها: إذا قال مالك الوديعة سلمها لهذا الصبي ففعل برئ، كما لو قال: ألقها في البحر، وكذلك لو وكله في إقباض الزكاة لمعين ...

ومنها: لو ثبت للسفيه دين فقبضه بإذن وليه فوجهان: رجح الحناطي الصحة ...

ومنها: ما لو باع سلعته من رجل ثم جن المشتري فقبض البائع منه صح وإن قبض من مجنون قاله البغوي في التهذيب ... " (٤) .


(١) حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز تصرفات الصبي المميز وعقوده في الجملة وإن اختلفوا في التفصيلات، وذهب الشافعية والظاهرية، وأبو ثور إلى عدم صحة تصرفاته مطلقًا، يراجع في تفصيل ذلك: بدائع الصنائع: ٦/٢٩٨٧، وفتح القدير: ٧/٣١٠، والدسوقي: ٣/٢٩٤، وبداية المجتهد: ٢/٢٨٢، والإِنصاف: ٥/٥١٨، والأم: ٣/١٩١، وفتح العزيز: ٨/١٠٥، والغاية القصوى: ١/٥١٣، ٢/٦٩٧، والمحلى: ٩/١٧٠.
(٢) ذهب الجمهور إلى الحجر على السفيه، وبالتالي عدم صحة تصرفاته المالية، وذهب أبو حنيفة إلى عدم الحجر عليه إذا بلغ رشيدًا ثم عاوده السفه، أو بلغ عمره ٢٥ سنة. يراجع في تفصيل ذلك: فتح القدير: ٧/٣١٤، وبداية المجتهد ٢/٢٨٠، والروضة: ٤/٥١٨، والمغني لابن قدامة: ٤/٥١٨، والمحلى: ٩/١٩٣، ومبدأ الرضا في العقود: ١/٣١٨.
(٣) كتاب الشروط والوثائق لأبي نصر السمرقندي (ت ٦١٩هـ) ، تحقيق محمد جاسم الحديثي، ط. دار الحرية ببغداد ص ١٣٧-١٥٩.
(٤) المنثور في القواعد للزركشي، ط. وزارة الأوقاف، تحقيق د. تيسير فايق ٣/٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>