للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواع القبض، وصوره القديمة والمعاصرة:

لقد أفاض فقهاؤنا الكرام في ذكر أنواع القبض، وكيفية، والصور المتداولة في عصورهم، والمسائل الكثيرة التي لا تسمح طبيعة بحثنا بالخوض فيها، ولذلك نذكر أهمها، ثم نعقبها بذكر بعض الصور المعاصرة.

فقد قسَّم الكاساني الحنفي القبض إلى قبض تامٍّ، وقبض ناقص، حيث قال: "إن أصل القبض يحصل بالتخلية في سائر الأموال، واختلفوا في أنها: هل هي قبض تامٌّ فيها أم لا؟ (١) .

ومعنى كون التخلية قبضًا تامًّا أنه يترتب على التخلية جميع الأحكام المترتبة على العقد بالكامل من انتقال الضمان إلى المشتري، وجواز التصرف له في المبيع قبل نقله، أو كيله، أو وزنه، أو عدِّه.

ومعنى كون التخلية قبضًا ناقصًا أن المشتري لا يجوز له بيع المبيع قبل نقله، أو كيله، أو وزنه، وإن كانت التخلية تؤدي باتفاق الحنفية في الجميع إلى نقل الضمان من البائع إلى المشتري، ونحن نذكر هنا بإيجاز متى تكون التخلية قبضًا تامًّا، ومتى لا تكون كذلك:

١- التخلية قبض تامٌّ فيما يأتي:

(أ) في كل ما ليس له مثل من المذروعات، والمعدودات المتفاوتة، حيث التخلية فيه قبض تام بلا خلاف عند الحنفية، حتى لو اشترى مذروعًا مذارعة، أو معدودًا معاددة ووجدت التخلية يخرج عن ضمان البائع، ويجوز بيعه، والانتفاع به قبل الذرع والعدّ.

(ب) وفيما له مثل لكنه بيع مجازفة، لأنه لا يعتبر معرفة القدر في بيع المجازفة.

(ج) وفي المعدودات المتقاربة إذا بيعت عددًا لا جزافًا عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة تعتبر التخلية فيها قبضًا ناقصًا.

وجه قول أبي حنيفة أن القدر في المعدود معقود عليه كالقدر في المكيل والموزون، ولذلك لو عدَّه فوجده زائدًا لا تطيب له الزيادة بلا ثمن، بل يردها أو يأخذها بثمنها، ولو وجده ناقصًا يرجع بقدر النقصان كما في المكيل والموزون، وهذا دليل على أن المقدار معتبر في العقد، ولما كان احتمال الزيادة والنقصان في عدد المبيع ثابتًا فلا بد من معرفة قدر المعقود عليه، وامتيازه عن غيره، ولا يعرف قدره إلا بالعدّ، ولذلك لا يجوز بيعه قبل عدَّه (٢) .


(١) بدائع النصائع: ٧/٣٢٥٠، وحاشية ابن عابدين: ٤/٤٣، والفتاوى الهندية: ٣/١٦.
(٢) البدائع: ٧/٣٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>