للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقلنا في ذلك كلام المحققين لعمل المدينة، كما نبهنا إلى أن عمل أهل المدينة قد أخذ به قبل مالك الصحابة والتابعون وتابعوهم وأوضحنا الفرق بين عمل أهل المدينة وبين ما جرى به العمل في الأمصار وأن بينهما عمومًا وخصوصًا، ثم أشرنا إلى أن العلاقة بين العرف والعمل وثيقة جدا بحيث لا يكاد يظهر أي فرق وأن العمل ما هو إلا عرف في شكل متطور وأن العرف هو السبب في قيامه لذا كثيرًا ما يذكر الفقهاء العرف مصاحبًا للعمل ومرادفًا له، وقد أشرنا للعلاقة بين المصالح المرسلة والاستحسان والأعراف وما شرعه أولي الأمر من أحكام من خلال ما جرى به العمل على الرغم من المآخذ التي أخذت على هذا اللون من التشريع وأشرنا إلى أثر تغير الأحكام بتغير الزمان والدوافع والأسباب المؤدية إلى تغير الأعراف، كما أشرنا إلى القواعد الشرعية في العرف، ثم ختمنا الموضوع بأبحاث من الفقه وأصوله بنيت على العرف وترك فيها القياس استحسانا وذلك للتعامل المتعارف بين الناس وحاجتهم إلى هذا التعامل تحقيقًا للمصلحة ودرءًا للمفسدة وأشرنا إلى أن العرف هو الذي يحدد ما يعد مالا وما لا يعد وما يكون مقوما وغير مقوم وأشرنا إلى حقوق الارتفاق وبينا أن مرجعها إلى العرف وأشرنا إلى بعض الأحكام للأحوال الشخصية وتأثير العرف فيها وإلى كثير من العقود المالية وبنائها على العرف وإن كانت مخالفة للقياس كبيع السلم والاستصناع وبيع الوفاء وغيرها وكالإجارة والمزارعة والمساقاة واعتبار العرف في الخيار والوصية والتقرير واختلاف الدية باختلاف الأعراف، وكذلك اعتباره في الشهادات والقضاء ونحو ذلك، وأوضحنا أن تحكيم العرف في كثير من القضايا أمر ضروري مفتقر إليه لا بين الأفراد والجماعات بل بين الدول والجهات، لذا ختمنا الموضوع بكلمة عن العرف الدولي وما استقر عليه قضاء محكمة العدل الدولي المنتصبة بلاهاي، ولعل في بيان ما وضحت وما مثلت أكون قد شاركت قدر الاستطاعة في تجلية نظرية العرف وتوضيح آثارها في التشريع الإسلامي ومدى تأثير الأعراف في تطور المجتمعات وأحكامها وقوانينها الإدارية وغيرها، وإنا لنأمل من الحكومات الإسلامية أن تعود إلى رشدها وسالف عهدها وأن تحكم شرع الله وتحتكم إليه وتستغني عن قوانين الغرب التي لا تراعي ما أحل الله وما حرم، فإن في التشريع الإسلامي ما فيه غنى عن كل القوانين إذ هو قانون الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، نسأل الله التوفيق، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>