للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم المال منه ما هو متقوم وهو ما كان في حيازة، وجاز الانتفاع به في حال الاختيار، ومنه ما هو غير متقوم وهو بخلافه كالمال المباح الذي لا مالك له بخصوصه كالسمك في البحر، والذهب في المنجم، والطير في الهواء، والنفط تحت الأرض، فهو مال غير متقوم في نظر الشرع لعدم الحيازة، ومثل الخمر والخنزير والميتة، فإنه لا يجوز الانتفاع به في نظر الشرع ولا يلجأ إليه إلا عند الاضطرار والفرق بينهما أن المتقوم يضمن بالتلف عند التعدي عليه، لأن له قيمته ويصلح أن يكون محلا للمعاوضة ويصح أن يوهب أو يوصي به أو يوقف ويصلح أن يكون محلا للمعاوضة ويصح أن يوهب أو يوصي به أو يوقف ويصح أن يكون ثمنا ومثمنًّا وكل هذه الأمور كان تحديدها على العرف في غالب الأحكام باستثناء ما جاءت النصوص على أنه مال مباح أو أنه لا يجوز الانتفاع به، فالفراشات والحشرات والأفاعي والهوام كانت من المال التافه الغير المقوم، وقد أصبحت اليوم لها قيمة لما يستخرج منها من الأدوية ونحوها، والعرف يتغير بتغير الزمان، فما كان تافها في زمان قد يتغير العرف ويصبح مالا معتبرًا في زمان وكثيرًا من الأشياء ما لم يكن مالا مقومًّا في غابر الأزمان، وقد أصبح اليوم مالا مقومًا ترتكز عليه ثروة البلاد فالسمك في المياه الإقليمية، والطيور التي تعيش في أجوائها، والحيوانات في أراضيها وغابتها والنفط في أعماق أرضها ومناجم الفوسفات والبوتاس والأملاح والذهب والفضة ومنتوجاتها الفلاحية، وهذه كلها مما هو ملك خاص أو عام أصبحت هذه ذات قيمة ضخمة، ولهذا تعد مالا متقومًا بحيث لو اعتدى أحد عليها أو نهب منها أو أتلف شيئا من ذلك غرمه وعزر علي تعديه وهذا الحكم يسري على تحديد القيمي والمثلي في الأموال فالقيمي ما تتفاوت آحاده تفاوتًا يعتد به أو لا تتفاوت، ولكن لا نظير له في الأسواق وتشمل الحيوانات والبناءات والأشجار وعروض التجارة المختلفة الجنس والعدديات المتفاوتات وما انقطع من الأسواق فلم يعد له مثيل، أما المثلي فما لا تتفاوت آحاده تفاوتًا يعتد به وله نظير في الأسواق ويشمل المكيلات والموزونات كالحبوب والألبان والمعدودات المتقاربة كالبيض وعروض التجارة المتحدة الجنس كالثلاجات والسيارات من صنف واحد (١) وتحديد كل ذلك ومرجعه إلى العرف القائم والواقع الموجود ولو اختلف العرف فيه لاختلف ما يندرج تحته المثلي أو القيمي.

حقوق الارتفاق:

الحق عرفه الأستاذ الزرقاء بأنه اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفًا والحقوق في الإسلام هي منح ألهية تستند إلى المصادر التي تستنبط منها الأحكام الشرعية ومنشأ الحق هو الله لا حاكم غيره ولا مشرع سواه والحق مقيد بما يفيد المجتمع ويمنع الضرر عن الآخرين وهو يسلتزم واجبين: واجب عام على الناس جميعًا وهو احترام حق الشخص وعدم التعدي عليه والتعرض له.

وواجب خاص على صاحب الحق بأن يستعمل حقه من غير أن يضر بالآخرين.

وينقسم الحق إلى ثلاثة أقسام: الأول: حق ملك الشيء وحق الانتفاع كالإجارة والوقف والإعارة والوصية وحق الارتفاق وهو ملك ناقص لأن صاحبه لا يملك التصرف المطلق وكثير من حقوق الانتفاع وحق الارتفاق أخذ العرف بعين الاعتبار في استنباط الأحكام الشريعة المتعلقة بها فإباحة الإجارة، وصحة الوقف في المنقولات، وكثير من أحكامها وحق الشرب والمجرى والمسيل والمرور وغيرها بنيت معظم أحكامهما على العرف وحق الارتفاق هو حق مقرر على عقار المنفعة عقار آخر مملوك للغير وهو حق دائم يبقى ما بقي العقار دون نظر إلى المالك ويدخل في ذلك حق الشرب وحق المجرى وحق المسيل وحق المرور وحق الجوار وحق العلو فحق الشرب هو النصيب المستحق من الماء لسقي الزرع والشجر أو نوبة الانتفاع بالماء لمدة معينة لسقي الأرض ويلحق به حق الشفعة وهو حق شرب الإنسان والدواب والاستعمال المنزلي، والماء بالنسبة لهذا الحق أربعة أنواع: (١) ماء الأنهاء العامة، فلكل واحد الحق في الانتفاع به لنفسه ودوابه وأراضيه بشرط عدم الإضرار بالغير لقوله عليه السلام: ((الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)) وحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) (٢) وماء الجداول والأنهار الخاصة المملوكة لشخص، فلكل إنسان حق الشفعة منه لنفسه ودوابه، وليس لغير مالكه سقي أرضه إلا بإذن مالكه، (٣) ماء العيون والآبار والحياض المملوكة لشخص وفيها حق الشفعة دون حق الشرب، فإن منعهم صاحبه أجبر على تمكينهم من الشفعة، (٤) الماء المحرز في أوان خاصة كالجرار والصهاريج لا يثبت لأحد حق الانتفاع به بأي وجه من الوجوه إلا برضا صاحبه ولا يستحقه إلا المضطر الذي يخشى على نفسه وعليه دفع قيمته لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير (٢) .


(١) انظر حاشية ابن عابدين: ٤ /١٥٥
(٢) البدائع: ٦ / ١٨٨ وما بعدها؛ تكملة فتح القدير: ٨ /١٤٤، القوانين الفقهية، لابن جزي: ص ٣٤٤؛ نهاية المحتاج: ٤ /٢٥٥؛ المغني لابن قدامة: ٥ /٥٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>