إن إرادة المتعاقدين متجهة- دون ما شك- إلى بيع هذه السلعة وليس إجارتها، وقد دفع إلى ذلك خوف البائع (المؤجر) من عدم الحصول على ضمان السلعة إذا كان الثمن مؤجلًا أو منجمًا لأي سبب كان ... لأن البيع يترتب عليه نقل الملكية إلى المشتري (المستأجر) حال، ورغبة المشتري- الذي لا توجد لديه إمكانات شرائها بالنقد- في الحصول على هذه السلعة والانتفاع بها، (أو عدم تجميد أمواله في سلعة واحدة كي يتمكن من تحريك أمواله في مجالات متعددة ...) مع عدم حاجة البائع غالبًا إلى اقتناء هذه السلعة، إذ هو إنما يلبي حاجة المشتري (المستأجر) بالضوابط والقيود التي وضعاها والصياغة التي صاغها بها العقد.
أمام هذه الجوانب المتعددة لهذه الصورة كيفها فقهاء القانون بأنها بيع بالتقسيط، ولم يعتدوا بعقد الإجارة الذي صرح به العاقدان نظرًا للقرائن التي تظهر أنه عقد بيع، وإنما ظهر في صورة عقد إجارة في بدايته للانتفاع بخصائص العقدين كما بينا آنف.
تكييفها في الفقه الإسلامي
ونحن في رحاب الفقه الإسلامي هل يمكن أن نكيفها بذلك؟
للإجابة على ذلك نقول عن الذي يقف أمام هذا التكييف هو أن عقد الإجارة عقد صريح ناجز، لأن صيغته وهي (أجرت – واستأجرت) دالة على الإجارة قطعًا، وإن الشروط التي صاحبت هذا العقد واقترنت به يجب بحثها هل هي شروط صحيحة أو غير صحيحة؟ فإن كانت صحيحة وجب الوفاء بها، وإن لم تكن صحيحة بطلت (وبطل العقد أو فسد أو صح على الخلاف فيها وفي طبيعتها) ، وهذه الشروط لا يمكن أن يقال أنها حولت العقد من إجارة إلى بيع، لأنهما أراداه الآن إجارة، لا بيعًا، فكان القول بذلك عكس إرادتهما الظاهرة والمعلنة.
وأما تمليك الشيء المؤجر الذي علق على سداد جميع هذه الأقساط الإيجارية، فهل يمكن أن يكون بيعًا معلقًا والثمن فيه هو هذه الأقساط التي قام المستأجر بسدادها؟ أن الذي يحول دون ذلك هو أن هذه الأقساط دفعت على أنها أجرة للعين المؤجرة، فكيف تتحول إلى ثمن للعين المؤجرة في نهاية المدة.
والمعلوم أن الثمن يكون حالًا أو مؤجلًا عند تمام عقد البيع، وما أخذ هنا تحت ظل عقد الإجارة هو ثمن هذه المنفعة التي استوفاها المستأجر، فكان تكييفها في ظل العقد الذي أوجبها أنها أجرة، فتحويلها بعد ذلك إلى ثمن للعين المؤجرة بعقد لاحق لا يتمشى ولا يسير مع القواعد التي تحدد لكل عقد أحكامه وآثاره فور انعقاده صحيحًا منتجًا واجب الوفاء بما يقضي به، إذًا تكييف هذه الصورة بأنها عقد بيع بثمن مقسط تكتنفه في الفقه الإسلامي صعوبات كثيرة تحول دون القول بذلك.