استطرادًا لموضوع حقوق التأليف، نرجو أن يعالج مجلسنا الكريم قضية ربما نعيشها في لبنان وهي تراثنا الإسلامي، حق من؟ إن عشرات دور النشر إنما أقامت مجدها على تراثنا الإسلامي، وكل مؤلف له حقوقه، فهذا التراث هو حق من؟ الذي يصدر والذي يطبع، ألا ينبغي أن يصدر شيء ما, فتوى ما، قرار ما؟ إن للأمة حقًّا في هذا وينبغي أن تطالب دور النشر بمثل هذا الحق، لأننا نرى - لا أقول سرقة إن صح هذا التعبير - كم من الدور أصحابها كانوا لا يعنون شيئًا وأصبحوا قد جمعوا الملايين من الدولارات من وراء تصوير تراثنا الإسلامي الذي صار مشاعًا والناس تدفع ثمن هذا الكتاب وكأن لا حقوق للمؤلف، فهل ينبغي أن يبقى هذا الأمر هكذا أم لا؟ وشكرًا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
لما استمعت إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه في تدخله وجدت نفسي ملزمًا بأن أعلق على ما جاء في كلامه، إنه ذكر ثلاثة أشياء: القرض والضمان والجاه، ولا يوجد غيرها في الفقه الإسلامي، ثلاثة تمنع أن تُرى إلا لله: القرض والضمان والجاه. معروفة هذه ثلاثة وليس لها رابع، وهذا مرتبط بالأخلاق - للإنسان أن يتنازل - ولكن لا يمكن أن يكون حقًّا واجبًا على كل شخص فمن أراد أن يتنازل عن حقوقه له ذلك، والذي أريد أن أبينه في هذا المجمع هو أن - أو أذكر به وكلكم تعلمونه - أن الكتاب بعد أن كان عبارة عن خط على ورق أو على رق أصبح هناك طباعة، والطباعة معناها أن طابع الكتاب يربح في الكتاب ويأتي الناشر فيربح من الكتاب، ثم يأتي الذي يبيع الكتاب صاحب المكتبة ويربح في الكتاب ٣٠ % مثلًا، فهذه هي المراحل التي يمر بها الكتاب، والكتاب لا يمكن أن يوجد إلا بها. وقيمة الكتاب التي من أجلها دفع المشتري، ليست في الورق ولا في أي شيء إلا فيما يحويه، فعندما نجعل الأصل لاغيًا لا قيمة له، وأن البقية لها قيمتها أظن أن هذا غير صحيح، وأنه قلب للأوضاع، وأنه إرادة تسليط الأحكام كما كان الأمر يوم كان الكتاب نسخة واحدة على حالة جديدة لا تتفق مع الماضي. هذه واحدة.
الأمر الثاني: وهو أن الدكتور عبد الله بن بيه يقول: لو كان مالك وحقوق مالك في التأليف وحقوق أبي حنيفة وحقوق الشافعي في الأم إلى آخره: أعتقد أن مالكًا رضي الله تعالى عنه وبقية الأئمة رضي الله عنهم ما كان واحد منهم يتصدى للتدريس ويأخذ راتبًا، فما كانت رواتب لهم، فهل معنى هذا أن الجماعة اليوم وهم المدرسون عندما يأخذون رواتب أنهم انفصلوا عن هدي الإسلام؟ أعتقد أن القضية يجب أن لا تطرح على هذا النحو، وأن المؤلف له حق في تأليفه باعتبار أنه قد أسهم في إيجاد شيء له قيمة والقيمة الحقيقية هي له، هذا ما أردت أن أقوله. وشكرًا.