للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أ) اصطلاح الحنفية:

عرف فقهاء المذهب الحنفي المال بتعريفات كثيرة، مختلفة في ألفاظها، متقاربة في مفهومها ومعناها، والاختلاف بينها ليس ناشئا عن اختلاف في فهم حقيقة المال في المذهب الحنفي، بل هو اختلاف في العبارات، ومدى دقتها في بيان اصطلاح الحنفية في معنى المال (١) .

وفقهاء الحنفية يوجبون لتحقيق مالية الشيء اجتماع أمرين:

أولهما: أن يكون شيئا ماديا يمكن إحرازه وحيازته، فيخرجون عن معنى المالية كل ما لا يتحقق فيه هذا الشرط كالمنافع والديون والحقوق المحضة مثل حق التعلي، وحق الأخذ بالشفعة، وحق الشرب والمسيل (٢) ، كما يخرجون منه أمثال حرارة الشمس وضوء القمر، وكل الأمور المعنوية كالشرف والصحة.

ومن هنا يظهر أن فقهاء الحنفية لا يشترطون أن يكون الشيء مملوكا بالفعل ليعتبر مالا، كما هو مقرر في اللغة، إنما يكتفون بإمكان تملكه، فالصيد في الفلاة، وكذلك الطير في السماء يعتبر عندهم مالا، لإمكان إحرازه وتملكه.

ثانيهما: أن يكون الشيء منتفعا به انتفاعا معتادا، فلحم الميتة والطعام الفاسد ليسا بمال لأنهما لا ينتفع بهما أصلا، وحبة القمح وقطرة الماء ليستا بمال، لأنهما لا ينتفع بهما انتفاعا معتادا .... فهذه الأمور لا تعد مالا، وإن أمكن حيازتها، وذلك لعدم تحقق العنصر الثاني من عناصر المالية.

والمراد بالانتفاع، الانتفاع المشروع في حال السعة والاختيار دون حال الضرورة، فجواز الانتفاع بلحم الميتة في حال الضرورة لا يجعل منه مالا، فيقتصر على جواز الانتفاع ولا حاجة للقول بالمالية، لأن الضرورة تقدر بقدرها.

وليس المقصود بالانتفاع هنا، انتفاع الناس كافة، بل يكفي فيه انتفاع بعضهم فلا تزول مالية الشيء إلا إذا ترك الناس كلهم تموله، لم تكن له منفعة أصلا، أما إذا ترك بعض الناس تموله وبقي منتفعا به عند بعضهم، فلا تزول ماليته، كالملابس القديمة التي يستعملها بعض الناس دون بعضهم الآخر (٣) .

وواضح أن هذين العنصرين قد نص عليهما بوضوح في تعريف من عرف المال من فقهاء الحنفية، بأنه: ما يمكن حيازته، وإحرازه، والانتفاع به انتفاعا معتادا (٤) .

وقد عرف بعض الفقهاء المال باصطلاح الحنفية بأنه: كل عين ذات قيمة مادية بين الناس، فصاحبه نظر فيه إلى أن اعتياد تمول عين، وصيانتها، والانتفاع بها يستلزم القيمة إذ لا يعتاد الناس هذا في الشيء .... بحيث يحمى تارة ويبذل أخرى إلا لمنفعة مادية أو معنوية يقدرونها فيه، فتتجه إلية الرغبات. والرغبات يبذل في سبيل تحقيقها والحصول عليها أعواض مادية ... لذلك استغنى عن النص في التعريف على الانتفاع المعتاد، ووضع بدله أن تكون العين ذات قيمة مادية بين الناس، مشيرا إلى أن هذه القيمة هي القيمة بالمعنى الاقتصادي العام، والتي خرج بها ما لا قيمة له من الأعيان بين الناس إما لحرمته على جميع الناس كالميتة، أو لتفاهته كحبة القمح (٥) .


(١) انظر في استعراض هذه التعاريف ومناقشتها، الملكية في الشريعة الإسلامية، د. عبد السلام العبادي: ١/١٧٢، وما بعدها
(٢) انظر التفصيل: الملكية، د. العبادي ١/١٨٦-١٨٩، وفي حاشية ابن عابدين: ٥/٥٢، حق التعلي ليس بمال، لأن المال عين يمكن إحرازها وإمساكها
(٣) المدخل – عيسوي: ص ٣٠٤، والمدخل – شلبي: ص ٢٨٦
(٤) ذكر الشيخ الخفيف إنه إذا وسعنا معنى الحيازة والإحراز، فجعلناه أعم من أن يكون مباشرة أو بالواسطة، كان التعريف شاملا للمنافع، لأنها ممكنة الحيازة بإحراز أصلها، وكذلك ينتفع بها، أحكام المعاملات: ص ٢٧
(٥) المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي، الأستاذ مصطفى الزرقاء: ص ١٣٥-١٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>