للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا – موقف القوانين الوضعية من هذه الحقوق:

اتفق القانونيون على اعتبار الحقوق المعنوية من الحقوق المالية التي يقسمونها إلى حقوق عينية وحقوق شخصية ولكنهم مختلفون بعد ذلك ... هل تعتبر هذه الحقوق من الحقوق المالية العينية أم أنها حقوق مالية مستقلة بالإضافة إلى الحقوق العينية والشخصية، فذهب بعض القانونيين إلى أن الحقوق المالية تقسم إلى: حقوق عينية، وحقوق شخصية، وحقوق معنوية، فالحق المعنوي قسم للحق العيني والحق الشخصي. وكان ذلك نتيجة أن معنى الحق العيني عندهم عبارة عن سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شيء معين. وهذا الشيء المعين لا بد أن يكون شيئا ماديا متعينا بذاته في الوجود الخارجي، فتنصب سلطة صاحب الحق عليه مباشرة.

ولما ظهرت الحقوق المعنوية، نتيجة لتطور الحياة، وأقرتها القوانين العصرية اعتبرها هؤلاء القانونيون نوعا مستقلا من أنواع الحقوق المالية لما تتصف به من خصائص تميزها عن الحقوق العينية والشخصية نتجت من كون محلها غير مادي (١) .

وذهب قانونيون آخرون إلى أن الحق المعنوي لا يعتبر نوعا من أنواع الحق المالي بالإضافة إلى الحق العيني والحق الشخصي إنما هو حق من الحقوق العينية، وإن الشيء الذي تنصب عليه السلطة في الحق العيني أعم من أن يكون ماديا أو معنويا.

ثم إن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم حول طبيعة هذا الحق المعنوي، بعد أن قرروا أنه عبارة عن حق عيني.

فمنهم من اعتبر الحق المعنوي حق ملكية أو نوعا خاصا من الملكية (٢) ، لذلك فهم يطلقون على هذا الحق تسمية: الملكية الأدبية والفنية والصناعية.

ومنهم من اعتبره حقا عينيا أصليا مستقلا عن حق الملكية بمقوماته الخاصة (٣) .

وقد احتج المانعون أن يكون الحق المعنوي حق ملكية، بأن حق الملكية ينصب على شيء ويخول صاحبه سلطة استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه، والاستعمال لا يتصور بالنسبة للحق المعنوي، لأن الاستفادة منه لا تكون إلا باستغلاله والتصرف فيه، فلا يمكن أن يستفاد منه إذا قصر صاحبه استعماله على نفسه، فعنصر الاستعمال الذي هو أقوى عناصر الملكية غير موجود في هذا الحق، لذلك يسميه بعض القانونيين بأنه حق احتكار الاستغلال، وليس حق ملكية.

كما أن حق الملكية بطبيعته حق مؤبد، في حين أن هذا الحق بطبيعته حق مؤقت (٤) .

وقد أجاب الآخرون عن هذه الحجج بأنها لا تمنع من أن يكون الحق المعنوي نوعا خاصا من الملكية، وذلك أن الحق المعنوي يتفق مع الملكية العادية في نواح، ويختلف عنها في أخرى، فهو عبارة عن سلطة تنصب على الشيء المعنوي مباشرة دون وساطة وتخول صاحبه حق الاستغلال والتصرف، في حين أنه، بحكم طبيعته، وهو كونه يقع على شيء غير مادي، لا يقبل الاستئثار، ولا يصح أن يكون مؤبدا (٥) .

وقد كان القانون المدني المصري القديم الصادر سنة ١٨٨٣م يتضمن في المادة (١٢) منه: أن الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته وحقوق الصانع في ملكية مصنوعاته يكون حسب القانون الخاص بذلك .... مما يدل على أن القانون القديم يذهب إلى اعتبار هذه الحقوق ملكية، ولكن لم يصدر القانون الخاص الموعود حتى صدور القانون الجديد سنة ١٩٤٨م، الذي أشار في المادة (٨٦) منه إلى أن تنظيم هذه الحقوق متروك لقانون خاص يصدر به. ولكنه لم يسم هذه الحقوق بالملكية، كما فعل القانون السابق، بل سماها الحقوق التي ترد على شيء غير مادي مما يدل على أن القانون المصري لم يرد الخوض في الخلاف حول طبيعة هذه الحقوق، وحسمه بشكل ما (٦) .

يقول الأستاذ عطا الله إسماعيل: (ويتضح مما ذكر عن مختلف النظريات في شأن هذا الحق أن جوهره ما زال موضع التقصي والبحث ....) ، ثم يقول: (وحسنا فعل المشرع المصري إذ لم يتقيد بنظرية بعينها فيما وضع من حلول لمختلف الفروض والمسائل التي عرض لها في تقنينه لحقوق التأليف) (٧) .


(١) انظر: نظرية الحق، د. محمد سامي مذكور: ص ٣١-٣٢
(٢) محاضرات في النظرية العامة للحق، د. إسماعيل غانم: ص ٧٤، وحق الملكية، د. الصدة ص ٢٨١ - ٢٨٢
(٣) الوسيط، للسنهوري: ٨/٢٨٠ – ٢٨١، وانظر: هناك عرضا تفصيليا لهذه الآراء، ومن قال بها من الشراح المصريين والأجانب.
(٤) محاضرات في النظرية العامة للحق، د. إسماعيل غانم: ص ٨٢، فهذه الحقوق وإن ظلت لصحابها طول حياته، لكنها لا تبقى لورثته إلا لوقت محدد يتفاوت تحديده في القوانين المختلفة، وهي في القانون المصري خمسون سنة من وفاة المؤلف، بعد مضيها يصير الإنتاج الذهني نهبا لكل من يريد الاستفادة منه وكما يريد. انظر نظرية الحق، د. الشرقاوي: ص ٥٨
(٥) الملكية في القوانين العربية، د. الصدة: ١/٩، وحق الملكية، د. الصدة: ص ٢٨٠-٢٨٢
(٦) انظر نظرية الحق، د. الشرقاوي: ص ٥٩-٦١
(٧) القانون والعلوم السياسية، الحلقة الدراسية الأولى: ص ٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>