للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي في مسألة رد القيمة في القرض بالقيمة: (يرد القيمة يوم القبض إن قلنا يملك به ... ) (١) وقال السيوطي: (وإذا قلنا: أنه يرد في المعدوم القيمة، فالمعتبر قيمة يوم القبض إن قلنا يملك به، وكذا إن قلنا يملك به، وكذا إن قلنا يملك بالتصرف في وجه) (٢) .

وقد نص الإمام أحمد في الدراهم المكسورة بعد كسادها على أنه يقومها: كم تساوي يوم أخذها (٣) قال صاحب المطالب: (ويجب على المقترض رد قيمة غير المكيل والموزون يوم القبض) . (٤) وقال ابن قدامة (تجب القيمة حين القرض، لأنها حينئذ ثبتت في ذمته) (٥) .

وقد نص إمام الحرمين والغزالي وغيرهما من فقهاء المذهب الشافعي على أن العبرة في حالة تغير النقد هو النقد الذي كان سائدا يوم العقد، ولا نظر لنقد يوم الحلول، وكذلك الثمن المؤجل إذا حل (٦) وقال مالك: (لا بأس أن يضع الرجل عند الرجل درهما، ثم يأخذ منه بربع، أو ثلث، أو بكسر معلوم: سلعة فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم، وقال الرجل: آخذ منك بسعر كل يوم فهذا لا يحل لأنه ضرر يقل مرة، ويكثر مرة ولم يفترقا على بيع معلوم) (٧) وهذا الكلام يدل على اعتبار سعر معلوم عند بداية التصرف.

وبعد هذا العرض والتأصيل يظهر لنا رجحان ما ذهبنا إليه وهو اعتبار القيمة يوم العقد والقبض، وهو أدنى إلى تحقيق العدالة وأقرب إلى القسط، وأيسر، وذلك لأن المقرض، أو البائع قد خرج المال من عهدته في ذلك الوقت، ودخل في ذمة المدين والمشتري، وحينئذ يكون له الحق في أن يشتري به شيئا آخر، ولذلك قال أحد الفلاحين المصريين بفطرته: (دفعت لك ثمن جاموسة فرجع إلى ما أشتري به مثلها، ويكفي أنك استفدت به كل هذا الوقت) قال ذلك عندما جاء.. إليه شخص من أقاربه وطلب منه دينا، فباع الفلاح جاموسته بمبلغ ودفعه إليه بالكامل، ثم بعد عشر سنوات جاء الرجل ورد عليه المبلغ الذي ما كان يشتري به الآن ربع جاموسة فأنطقته فطرته السليمة هذا القول (٨) .


(١) الروضة: ٤/٣٧.
(٢) الأشباه والنظائر: ص ٣٧١
(٣) المغني لابن قدامة: ٤/٣٦٠
(٤) مطالب أولي النهى
(٥) المغني: ٤/٣٥٣
(٦) النهاية لإمام الحرمين، ملحوظة: ٧١/ ٢٨٨، نقلا عن الأستاذ الدكتور عبد العظيم الديب في كتابه القيم: فقه إمام الحرمين: ص ٤٢. وراجع الوسيط للغزالي مخطوطة طلعت: ٢/١٤٨.
(٧) الموطأ: ص ٤٠٣.
(٨) حكى لنا هذه القضية أستاذنا الدكتور القرضاوي حفظه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>